بينما فتح الموصلي في أصحابه إذا بصبيين معهما رغيفان، على رغيف أحدهما كامخ وعلى رغيف الآخر عسل، فقال: صاحب الكامخ لصاحب العسل: أطعمني من عسلك، فقال: أطعمك على أن تكون لي كلبا، فقال: أنا كلبك فجعل في فمه خرقة يجرّه بها، فالتفت فتح إلى أصحابه، وقال: لو قنع هذا بكامخه لم يصر كلبا لصاحب العسل.
ولقي صاحب سلطان فيلسوفا يلتقط الحشيش ويأكله، فقال له: لو خدمت الملوك لم تحتج إلى أكل الحشيش، فقال: وأنت لو أكلت الحشيش لم تحتج إلى خدمة الملوك.
وقيل: يا عجبا من مسكين بقناعته ثري ومن غنيّ بحرصه دنيء.
قال عبد الصمد لأبي تمام:
لست تنفكّ طالبا لوصال ... من حبيب أو راغبا في نوال «١»
أي أخي ما لحرّ وجهك يبقى ... بين ذلّ الهوى وذلّ السّؤال
وقال آخر:
أذلّ الحرص أعناق الرّجال
وقال أبو العتاهية:
الحرص داء قد أضرّ ... بمن ترى إلا قليلا
طالب الدنيا متحمّل للذلّ
قال علي بن الحسين رضي الله عنهما: إنما الدنيا جيفة حولها كلاب فمن أحبها فليصبر على معاشرة الكلاب. ومن ذلك أخذ ابن حجاج:
تركت مطالب الدنيا لقوم ... دعتهم للمخازي فاستجابوا
وليس الليث من جوع بغاد ... على جيف يطوف بها كلاب «٢»
ومثله:
إنّما الدنيا ومن يص ... بو من النّاس إليها
جيفة بين كلاب ... قاتلوا حرصا عليها
[الحرص فقر حاضر]
قيل في قول الله تعالى فإن له معيشة ضنكا، إنه الحرص. الحرص فقر واليأس غنى. قد يكثر المال والإنسان مفتقر، وهذا مأخوذ من قول بعضهم وقد سئل: أفلان غني، فقال: لا أدري غناه ولكنه كثير المال. سأل النعمان ضمرة بن ضمرة عن الفقير، فقال: الذي لا تشبع نفسه وإن كان من ذهب حلسه. وحمل رجل إلى إبراهيم بن أدم شيئا، فقال: ألك مال، قال: نعم. قال: أتحب أكثر منه، قال: شديدا، قال: إنك فقير.
وأنا لا أقبل الصلة إلا من غني، عنى بذلك ما روي: الغنى غنى النفس.