قيل: المتكلمون «١» دعائم الدين ولولا هم لأضلّت الملحدة «٢» كثيرا من الناس.
وروي أن ملك الصفد كتب إلى الرشيد يسأله أن يبعث إليه من يعلّمه الدين، فدعا يحيى بن خالد فعرض عليه الكتاب، فقال يحيى: لا يقوم لذاك إلا رجلان ببابك هشام بن الحكم وضرار فقال: كلا إنهما مبتدعان «٣» فيلقنان القوم ما يفسدهم ويغويهم بالمسلمين، ليس لذلك إلا أصحاب الحديث، فقال يحيى: أصحاب الحديث لا يحسنون وأهل الصفد قد غلب عليهم الثنوية «٤» فأتى أبو يوسف ووجه بعض أصحاب الحديث فلما ورد أكله أهل الصفد بالحجج. فقال ملك الصفد: ما أضعف دينكم وحججكم، فضحك صاحب الحديث. فقال الملك: وما هذا الضحك؟ فقال إنا لسنا أصحاب الحجج فإننا مقلّدة وعندنا من له الجدل وعنده الحجج ولا يقوى لهم أحد، وقد أشار بعض المحصلين على صاحبنا أن لا يبعثنا فوقع الغلط عليه.
ذمّه
قال أبو يوسف: من طلب الدين بالكلام تزندق «٥» . وقيل ما تعلم أحد الكلام إلا ساء ظنه بالنّاس.
وقيل: من جعل غرضا للجدال أكثر التنقل من رأى إلى رأي.
وحكى بعض الصوفية قال: استشرت أبا عبد الله بن حنيف في تعلم الكلام فقال: لا تفعل، فأقلّ ما فيه أنك تسىء عشرة الربّ. فقلت كيف ذلك؟ فقال: لأنك أبدا تقول لو فعل الله كذا لكان جاهلا ولو كان كذا لكان عاجزا، ونحو ذلك مما يجري في كلامهم.
[مدح الفقه]
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبد خيرا فقّهه في الدّين، وعرّفه عيوب نفسه.
وقال صلى الله عليه وسلم: لكل شيء عماد، وعماد هذا الدين الفقه. وقال صلى الله عليه وسلم الأنبياء سادة والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة. وقال صلى الله عليه وسلم: فقيه واحد أشدّ على إبليس من ألف عابد.