للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسرّة من حيث تخشى المضرّة

قال الله تعالى: فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً

«١» وقيل:

خف المضار من خلل المسار، وأرج النفع من موضع المنع. فأكثر ما يأتي الآمن من محل الفزع. وقال حكيم: أعناق الأمور تتشابه، فرب محبوب في مكروه ومكروه في محبوب ومغبوط بنعمة هي داؤه ومرحوم من داء فيه شفاؤه.

وقيل: ربّ سلامة تكون للتلف سببا ومكروه يكون للنجاة مفتاحا.

وقد يأسف المرء من فوت ما ... لعلّ السلامة من فوته «٢»

وقال حكيم: لله مصالح في مكاره عباده. وقيل: العاقل لا يجزع لأول نكبة ولا يفرح بأول نعمة فربما أقلع المحبوب عما يضرّ وأسفر المكروه عما يسرّ.

كم مرة حفّت بك المكاره ... خار لك الله وأنت كاره «٣»

وقال أبو عمرو بن العلاء خرجت هاربا من الحجّاج فسمعت أعرابيا ينشد:

ربّما تجزع النفوس من الأ ... مر لها فرجة كحلّ العقال

سبب البلاء سبب إتيان الرخاء. وقال صلّى الله عليه وسلّم: اشتدي أزمة تنفرجي. وقيل: إذا اشتد الأمر هان.

من أشرف على الهلاك ففرّج الله تعالى عنه

أتى يزيد بخارجي فأراد قتله، فقال:

عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كلّ يوم في خليقته أمر

فقال: والله لأضربنّ عنقك أقتلوه. فدخل الهيثم بن الأسود فقال أمسكوه قليلا، فدنا منه فقال: يا أمير المؤمنين هب مجرم قوم لوافدهم، فقال: هو لك، فخرج الخارجي وهو يقول: تأبّى على الله فأبى إلا أن يكذبه وغالبه فأبى إلا أن يغلبه.

وأحضر رجل ليقتل في أيام نازوك فدعا بطعام فأخذ يأكل ويضحك، فقيل: تضحك وأنت مقتول؟ فقال: من الساعة إلى الساعة فرج فسمعت صيحة فقيل: مات نازوك، فخلوا الرجل.

وشدّ بعض العمال رجلا إلى أسطوانة يريد ضربه، فقال: حلّني من هذه إلى هذه فحله فما حله إلا وقد عزل وشدّ إلى الاسطوانة بعينها.

<<  <  ج: ص:  >  >>