الحثّ على مصارمة من رثّ حبل ودّه
في المثل: خلّ سبيل من وهى سقاؤه. وقيل: لا تصحب من لا يرى لك في الودّ مثل ما ترى له. وقيل: شغل المرء بمشتغل عنه مسقطة من العيون، وإقباله على معرض عنه معرضة به لسوء الظنون. وقيل: جدعا لمن أعطى الرغبة من أعطاه الزهادة وما أدري أيهما ألأم. قال شاعر:
من لم يردك فلا ترده ... هبه كمن لم تستفده
قال البحتري:
شرّق وغرّب تجد من معرض عوضا ... فالأرض من تربة والنّاس من رجل
وقال آخر:
أرى الغبن كلّ الغبن وصلي صارما ... وإن كان ذا فضل ويرى جافيا
وقال آخر:
ولرّبّ مصحوب ترفت بلونه ... فلفظته قبل التطعّم عاجلا
[المجاملة في إعراض من رام صرم حبالك]
يستحسن في ذلك قول الأقرع بن حابس:
أصدّ صدود امرئ مجمل ... إذا حال ذو الودّ عن حاله
ولست بمستعتب صاحبا ... إذا جعل الهجر من باله
ولكنّني قاطع حبله ... وذلك فعلي بأمثاله
وما أن أدلّ بحقّ له ... عرفت له حقّ إدلاله
وإنّي على كلّ حال له ... من إدبار ودّ وإقباله
لراض لأحسن ما بيننا ... بحفظ الأخاء وإجلاله
فصل إيثار الوحدة والحثّ عليه
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: أحبّ العباد إلى الله الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإذا شهدوا لم يقربوا، أولئك أمة الهدى ومصابيح الظّلم.
وقال مالك بن دينار لراهب: عظني، فقال: إن استطعت أن تجعل بينك وبين الناس سورا من حديد فافعل. وقيل لسقراط: ألا تشاهد الملوك؟ فقال: وجدت الإنفراد بالخلوة أجمع لدواعي السلوة. وقيل لآخر: ما تجد في الخلوة؟ قال: الراحة من مداراة الناس والسلامة من شرّهم:
وقالوا لقاء الناس أنس وراحة ... ولو كنت أرضي الناس ما عشت خاليا