الخصمين وكان أبان يقلّل من الكلام فقيل له في ذلك: فقال: إنّ من كان كلامه حكما فحق عليه أن يتبلم «١» ولا يتكلّم إلا فيما يعنيه.
[من استعمل دهاء في أمر]
أودع رجل آخر مالا وحج، فلما رجع طلبه منه فجحده، فأتى إياسا «٢» فأخبره فقال له إياس: هل علم أنك أتيتني؟ قال: لا قال: فانصرف واكتم أمرك وعد إليّ بعد يومين. فدعا أياس المودع وقال له: قد حضر مال وأريد أن أدفعه إليك فحصّن منزلك وأحضر قوما ثقات يحملونه. ودعا أياس صاحب المال فقال له: امض إلى صاحبك واطلب منه المال وقل له: إن لم تردّه شكوتك إلى القاضي. فذهب الرجل وطلب ماله فرده عليه فأخبر إياسا بذلك فضحك، واختصم رجلان إلى القاضي شريح في ولد هرة فقال أحدهما: هي ابنة هرتي، وقال الآخر:
كذلك، فقال شريح: ضعوها قدامها فأيهما هرت وأزبأرّت «٣» وفرّت فليست لها وأيهما قرّت واسبطرّت «٤» فهي لها فقرت إحداهما فدفعها إليه.
من لا يغضي «٥» في الحكم على حقّ
أتى المأمون برجل وجب عليه حدّ، فأمر بضربه فقال: قتلت. قال: الحق قتلك.
قال: ارحمني، قال: لست بأرحم ممّن أوجب الحدّ عليك.
وقال خالد بن صفوان لبعض الولاة: جزاك الله خيرا فقد سوّيت بين الناس حتى كأنّك من كل أحد وكأنك لست من أحد. وقال بعضهم: غصبني بعض قواد الأتراك ضيعة أيام المعتز «٦» فتظلمّت فلم ينصفني فلمّا ولي المهتدي جلس يوما للمظالم فتظلمت إليه فأحضر خصمي فقضى لي عليه، فقلت: جزاك الله خيرا فأنت كما قال الأعشى:
حكّمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر «٧»
لا يأخذ الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر
فقال: أمّا شعر الأعشى فلا أدري ولكني قرأت قوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ