للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر:

كرام نقصت النّاس لمّا بلغتهم ... كأنّهم ما جفّ من زاد قادم

[قصد من طاب في فنائه الزمان والحياة]

وقال ابن الرومي:

أريد مكانا من كريم يصونني ... وإلّا فلي رزق بكلّ مكان

وقال المتنبيّ:

وما رغبتي في عسجد أستفيده ... ولكنّها في مفخر أستجدّه «١»

وله:

إذا نلت منك الجاه فالمال هيّن ... وكلّ الذي فوق التّراب تراب «٢»

[من قصد سلطانا سائلا لقومه]

أتى عبد العزيز بن زرارة باب معاوية، فلما أذن له وقف بين يديه، فقال: يا أمير المؤمنين دخلت إليك بالأمل واحتملت جفوتك بالصبر، ورأيت قوما أدناهم منك الحظ وآخرين باعدهم منك الحرمان، فليس للمقرب أن يأمن ولا للمبعد أن ييأس.

وقال زياد بن أبيه: أشخصت قوما إليك الرغبة وأعقدت آخرين عنك المعاذير، وقد جعل الله في سعة فضلك ما يجير المتخلف ويكافىء الشاخص، والخير دليل على أهله، والخصب منتجع في مظانّه.

وقيل: أصاب القوم مجاعة في عهد هشام فدخل إليه وجوه الناس من الأحياء، وفي جملتهم درواس بن حبيب العجلي وعليه جبة صوف مشتمل عليها بشملة قد اشتمل بها الصماء، فنظر هشام إلى حاجبه نظر لائم في دخول درواس إليه، وقال: أيدخل عليّ كل من أراد الدخول. وكان درواس مفوّها فعلم أنه عناه، فقال درواس: يا أمير المؤمنين ما أخلّ بك دخولي عليك ولقد شرفني ورفع من قدري تمكني من مجلسك، وقد رأيت الناس دخلوا لأمر أعجموا عنه، فإن أذنت في الكلام تكلّمت، فقال هشام: لله أبوك تكلّم، فما أرى صاحب القوم غيرك، فقال: يا أمير المؤمنين تتابعت علينا سنون ثلاث، أما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فأكلت اللحم، وأما الثالثة فانتقت المخ ومصت العظم، ولله في أيديكم أموال، فإن تكن لله فأعطفوا بها على عباد الله، وإن تكن لهم فعلام تحبسونها عنهم، وإن تكن لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين. فقال هشام: لله أبوك ما تركت واحدة من ثلاث، وأمر بمائة ألف دينار فقسمت في الناس، وأمر لدرواس بمائة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين ألكل رجل من المسلمين مثلها، قال: لا ولا يقوم بذلك بيت المال، فقال: لا حاجة لي فيما

<<  <  ج: ص:  >  >>