فتحاسد القوم الذين تقاربت ... طبقاتهم وتقاربوا في السؤدد
فإذا أبرّ أميرهم وبدا لهم ... تبريزه في فضله لم يحسد «١»
وقال أبو تمّام:
وسمحت في الدّنيا فما لك حاسد
الحثّ على التحرّز «٢» من حسد السلطان
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إنّ الرجل إذا ملك زهّده الله فيما في يده ورغّبه فيما لغيره وأشرب قلبه الإشفاق. فهو يحسد على القليل ويتسخط الكثير. لما فرغ جعفر ابن يحيى من بناء قصره صار إليه وجوه أصحابه وفيهم مؤنس بن عمران وكان رجلا كاملا فاستحسنوه، ومؤنس ساكت. فقال جعفر: لم لا تتكلم؟ فقال: فيما قالوه كفاية. فألحّ عليه أن يقول شيئا فقال مؤنس: أتصبر على الحق والصدق. قال نعم فقال: إن خرجت ومررت بدار لبعض أصحابك تشبهها أو تفوقها، ما أنت قائل؟ قال: قد فهمت فما الرأي؟
فقال له: تأتي أمير المؤمنين وتقول: إني قد بنيت هذا القصر للمأمون واتبعه من الكلام ما أنت أعلم به. فسأله الرشيد عن خبره فقال له ذلك، وقال له: إني استعملت لكل بيت من الفرش ما يليق به، فزال عن قلب الرشيد ما خامره.
وقال الشعبي: وجهني عبد الملك إلى ملك الروم فلما انصرفت دفع إلي كتابا مختوما فلما قرأه عبد الملك رأيته تغيّر وقال: يا شعبي أعلمت ما كتب هذا الكلب، قلت: لا.
قال: إنه كتب لم يكن للعرب أن تملك إلا من أرسلت به إلي. فقلت: يا أمير المؤمنين إنّه لم يرك ولو رآك لكان يعرف فضلك، وإنه حسدك على استخدامك مثلي. فسرّي عنه، وقيل: إذا أردت أن تسلم من حسد سلطانك فعم عليه مجامع شأنك.
[ما لا يستقبح فيه الحسد]
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله ما لا ثم أنفقه في حقّ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها. وقال أرسطوطاليس: الحسد حسدان محمود ومذموم فالمحمود أن ترى عالما فتشتهي أن تكون مثله أو زاهد فتشتهي مثل فعله والمذموم أن ترى عالما أو فاضلا فتشتهي أن يموت.
المتبجّح بكونه حسودا
اجتمع ثلاثة نفر فقال أحدهم لصاحبه: ما بلغ من حسدك؟ قال: ما اشتهيت أن أفعل بأحد خيرا قط. فقال الثاني: إنك رجل صالح أنا ما اشتهيت أن يفعل أحد بأحد خيرا قط. فقال