للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرغبة في الاستبداد بالرأي]

قال بعض الحكماء: ما استشرت أحدا قط إلا تكبّر عليّ وتصاغرت «١» له ودخلته العزّة وأدركتني الذلّة. وإيّاك والمشورة وإن ضاقت بك المذاهب.

وكانت الفرس والروم مختلفين في الإستشارة.

فقالت الروم: نحن لا نملك من يحتاج أن يستشير، وقالت الفرس نحن لا نملك من يستغني عن المشاورة وفضل الفرس لقوله تعالى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ

«٢» وما زال المنصور يستشير أهل بيته حتى مدحه ابن هرمة بقوله:

يزرن امرأ لا يصلح القوم أمره ... ولا ينتحي الأدنين فيما يحاول

فاستوى جالسا وقال: أصبت والله. فما استشار بعد ذلك.

وقال بعض جلساء هارون «٣» : أنا قتلت جعفر بن يحيى، وذلك أني رأيت الرشيد يوما وقد تنفس تنفسا، مفكرا فانشدت في أثره:

واستبدّت مرّة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبدّ «٤»

فاصغى إليه واستعاده «٥» ، فقتل جعفرا بعد عن لبث.

وقال المهلّب: لو لم يكن في الاستبداد بالرأي إلا صون السر، وتوفير العقل لوجب التمسك بفضله.

[المتفادي من أن يستشار]

استشار عبد الله بن عليّ عبد الله بن المقفّع، فيما كان بينه وبين المنصور، فقال:

لست أقود جيشا ولا أتقلّد حربا ولا أشير بسفك دم وعثرة الحرب لا تستقال، وغيري أولى بالمشورة في هذا المكان.

واستشار زياد رجلا فقال: حق المستشار أن يكون ذا عقل وافر واختبار متظاهر ولا أراني هناك.

واجتمع رؤساء بني سعد إلى أكثم بن صيفي «٦» يستشيرونه فيما دهمهم من يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>