للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحفظ طرقها في الأسفار، ومنع عدوها عن حريمها، وإعزاز قضاتها، وقال المتنبّي:

إذا طلبت ودائعهم ثقات ... دفعن إلى المحاني والرّعان «١»

فماتت فوقهن بلا صحاب ... تصيح بمن يمر: ألا تراني

وصيّة الكبار بتحرّي الإنصاف

كان كسرى يقيم رجلين عن يمينه وشماله إذا قعد للنظر في أمور الناس. فكان إذا زاغ «٢» ، حرّكاه بقضيب كان معهما، وقالا له، والرعية يسمعون: أيها الملك انتبه أنت مخلوق لا خالق، وعبد لا مولى. ليس بينك وبين الله قرابة. أنصف الناس وانظر لنفسك.

ودخل أسقف نجران على مصعب، فكلّمه بشيء أغضبه فرماه بمحجن. فقال الأسقف: إن لم يغضب الأمير، حدّثته بحديث، فقال: حدّث. فقال: في الإنجيل ليس للإمام أن يظلم وبه يلتمس العدل، ولا أن يسفّه ومنه يطلب الحلم فاعتذر منه وندم.

مدح العفّة والأمانة والحثّ عليهما

قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ

«٣» . إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. وقال تعالى: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ

«٤» وقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ

«٥» .

وقال عليه الصلاة والسلام: لا إيمان لمن لا أمانة له.

وقال أعرابي اللهم إني أعوذ بك من الخيانة فبئست البطانة. وقال بعضهم: إذا لم تكن خائنا فبت آمنا. وقال الجاحظ: سقى الله قبر الأحنف، حيث يقول الزم الصحة يلزمك العمل.

وقيل: من أحرز العفاف لم يعدم الكفاف «٦» . وقال معاوية رضي الله عنه: من ولّيناه أمرا فليلزم الرفيعين: الأمانة والعدل.

منع الوالي عن قبول الهديّة

قال النبي صلى الله عليه وسلم: الهدية تذهب السمع والبصر، وقال: إذا دخلت الهدية من الباب خرجت الأمانة من الكوّة.

وبلغ أنوشروان أن بعض عماله قبل هدية، فأحضره فلمّا دخل عليه، قال: هل قبلت الهدية؟ فقال: نعم، فقال: إن قبلتها لتستكفيه شيئا لم تكن تستكفيه لو لاها، إنك لخائن.

وإن قبلتها ولم تكافئه إنك للئيم. ولئن كافأته بسطت لسان رعيتك عليك ذمّا. فمن أتى صنيعا لا يخلو من هذه الثلاثة رغبنا عنه، وعزله. وقال الحجاج لوال: لا تقبل الهدية

<<  <  ج: ص:  >  >>