مالك سبيل إلى ما تدعيه إلا بشاهدين، فقال الرجل: متمثلا بهذا البيت:
وبايعت ليلى في خلاء ولم يكن ... شهودي على ليلى عدول مقانع
فتلطف القاضي في أخذ إقرار المدعي عليه وألزمه الحقّ.
من انقاد للحكم من السّلاطين
قد تقدم خبر عمر مع أبيّ ابن كعب رضي الله عنهما وكان عليّ رضي الله عنه تحاكم مع رجل، فشهد له قنبر، فقال شريح: يا أمير المؤمنين خادمك وفي عداد عيالك لا شهادة له، فقال علي وما أنت وهذا، اعتزل عملنا، فعزله، ثم رأى أنه أصاب، فردّه من الغد.
وجلس المأمون يوما للمظالم فدفع إليه رقعة فيها مظلمة من أمير المؤمنين فقال لصاحبها: ما ظلامتك؟ قال: ثلاثون ألف دينار. إشترى سعيد وكيلك مني جواهر بها ولم يوف ثمنها لي. فقال: كلامك هذا محتمل يجوز أن يكون وفره ويجوز أن يكون اشتراه لنفسه ويجوز أن يكون أخذ مني الثمن ولم يدفعه إليك، فقال الرجل: أنت أولى «١» الناس بالإنصاف، إحملني على سنّة النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وقد عدمت البيّنة «٢» ، فقال: نعم، ودعا بيحيى قاضيه فلما دخل قال له: اقض بيننا فقال: لا أفعل. إنك لم تجعل دارك مجلس قضائي فقال: قد جعلت، فأذن للعامة فخرج المأمون ومعه غلام يحمل مصلّى فطرحه له فقال يحيى: لا تأخذ على خصمك شرف المجلس فدعا له بمثله فادعى الخصم، فقال يحيى: ألك بيّنة؟ قال: لا فابعد البيّنة. قال يمينه فقال للمأمون: أتحلف؟ قال: نعم فاستحلفه فحلف ثم قال المأمون: أدفع إليه ما ادعاه والله ما حلفت فجرة ولكن خوفا من الرعية لئلا يقدروا أني منعته بالاستطالة.
[نهي الحاكم عن قبول الهدية]
قال الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
«٣» وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله الراشي والمرتشي. وتخاصمت امرأة من قريش ورجل إلى عمر وكانت المرأة اهدت إلى عمر فخذ جزور «٤» وقالت أفصل القضاء بيننا كما يفصل الجزور، فقضى عمر عليها وقال: إياكم والهدية.
وقال بعضهم كنت في طريق مكة فإذا أعرابي يختصم إليه الناس فيقضي بينهم بالحق فلما تفرقوا قلت: هل أخذت العلم عن أحد؟ قال: لا. قلت: فما هذا الفهم؟ قال بوفق الله. قلت: أرأيت لو تحاكم إليك اثنان فأهدى إليك أحدهما أكنت تقضي له فقال: إذا لا ينزل التوفيق وقد تقدم من ذلك أخبار في باب الولايات.