للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥) وممّا جاء في الاكتساب والإنفاق

الحثّ على تثمير المال في الصّغر والكبر

حكي أن كسرى مرّ بشيخ كبير يغرس فسيلا «١» ، فقال له يا هذا: كم أتى عليك من العمر؟ قال: ثمانون سنة، قال أفتغرس فسيلا بعد الثمانين. فقال: أيها الملك لو اتكل الآباء على هذا لضاع الأبناء. قال كسرى: زه «٢» يأخذ أربعة آلاف درهم. فقال: أيها الملك:

الفسيل يطعم بعد سنين من غرسه وهذا قد أطعمني في سنته فقال: زه يأخذ أربعة آلاف درهم فقال: أيها الملك: الفسيل يطعم في السنة مرة وهذا قد أطعمني في أوّل السنة مرتين، فقال:

زه يأخذ أربعة آلاف درهم، فقال الوزير: إن لم ينهض الملك أردى هذا بحكمته بيت المال.

[تثمير ذي مال كثير لمال حقير]

قال سعيد: ولاني عتبة بن أبي سفيان ماله بالحجاز، فقال: تعهد صغير مالي يكبر ولا تجف كبيره فيصغر، فإنه ليس يمنعني كثير ما في يدي من إصلاح قليل مالي، ولا يشغلني قليل ما في يدي عن الصبر على كثير ما ينوبني. وأتى قوم قيس بن عبادة يسألونه حمالة، فصادفوه في حائط له يتبع ممّا يسقط من الثمر فيعزل جيده ورديئه، فقاموا حتى فرغ، فكلّموه في ذلك، فبذل لهم ما أرادوا، فقال بعضهم: صنيعك هذا مناف لترقيح «٣» عيشك، فقال: بما رأيتم من فعلي أمكنني أن أقضي حاجتكم. وقال زياد: لو أن لي ألف ألف درهم ولي بعير أجرب لقمت به قيام من لا يملك غيره، ولو أن عندي درهما واحدا فلزمني حق لوضعته فيه. قال الوليد بن يزيد:

لأجمعن جمع من يعيش أبدا ولأنفقنّه إنفاق من يموت غدا.

التمدح بالتكسّب والحثّ على ذلك

قال الله تعالى: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ

«٤» ، فدل على وجوب الطلب أو فضيلته. قال الموصلي: عليكم بالتكسب فأوّل ما يبدأ به الفقر دين الإنسان. ولما أقبل النبي صلّى الله عليه وسلم من غزوة تبوك استقبله معاذ فصافحه، فقال: كبنت يداك، قال: نعم أحترث بالمسحاة وأنفقه على عيالي فقبله، وقال لا تمسها النار. وقال بعض الحكماء: لا تدع الحيلة في التماس الرزق بكل مكان فالكريم محتال والدنيء عيال.

قال عروة بن الورد:

إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه ... شكى الفقر أو لام الصديق فأكثرا

<<  <  ج: ص:  >  >>