للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فضل الغناء]

قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: مدار الدنيا على أربع، البناء والنساء والطلاء والغناء. وقيل: اللذات أربع، أكل وشرب وسماع ونكاح، وكل يوصل إليه بتعب إلا الغناء. لا يكره الغناء إلا من عرضت له آفة في حاسته، كما لا يكره الطيب إلا من في شمه آفة. وحكى أهل الهند أن الزندبيل إذا أخذ امتنع من العلف فيغني له بالألحان الشجيّة حتى تطيب نفسه من سمع الغناء، فإن لم يرتح له كان عديم الحس أو سقيم النفس.

وكان حكماء الهند يسمعون المريض الغناء، ويزعمون أنه يخفف العلة ويقوي الطبيعة، وبالأصوات الطيبة ينوّم الطفل وتحدى الإبل وتجمع السمك في حظائرها وتصطاد الظباء والأسود من مرابضها.

وقيل: الغناء غذاء الأرواح كما أن الطعام غذاء الأشباح. وهو يصفي الفهم ويرقق الذهن ويلين العريكة ويثني الأعطاف ويشجع الجبان ويسخي البخيل.

ذمّ الغناء

قال يزيد بن الوليد لأهله: إياكم والغناء فإنه يسقط المروءة وينقص الحياء ويبدي العورة ويزيد في الشهوة، وإنه لينوب عن الخمر ويصنع بالعقل ما يصنعه السكر، فإن كان ولا بد فجنبوه النساء فإنه داع إلى الزنا.

سئل صالح بن عبد الجليل عن السماع، فقال: ما وجدت قلبك يصلح له فافعله. مر مسلمة بن عبد الملك يوما بقصر أخيه سليمان، فسمع صوت مغن فغدا إلى سليمان، وقال يا أمير المؤمنين: مررت أمس بالقصر الذي فيه حرمك فسمعت فيه غناء، أما علمت أن الفرس يصهل فتشال الحجر، والحمار ينهق فتستودق له الأتان والثور يخور فتستخرم له البقر، والتيس ينب فيثغو له المعز، والكلب يعوي فتصرف له الكلبة والمغني يغني فترتاح له النساء، فقال سليمان: قد وعظت وأحسنت، والله عليّ راع وكفيل لا يدخل داري مغن ذكر ولا أنثى.

ونزل قوم بالكميت فأضافهم، فتغنى رجل منهم وكان حسن الصوت، فقال: حق على الرجل أن يحصن سمع امرأته كما يحصن فرجها.

[كيفية جودة الغناء]

قيل لبعضهم ما أجود الغناء، فقال: ما أطربك وألهاك أو أحزنك وأشجاك. وقال إسحاق: قال لي المأمون يوما: ما ألذ الغناء عندك؟ فقلت: ما وافق شهوة النفس، فقال:

زد فيه، وطرب له السامع خطأ كان أو صوابا.

[مشاهير المغنين وواضعي الغناء]

ابن شريح ومعبد وإسحاق، وقيل: كل ما صنعه إسحاق من الغناء سبعة وثمانون

<<  <  ج: ص:  >  >>