ومر رجل بآخر يأكل فسلم عليه فقال له: هلمّ. فهمّ الرجل أن يقعد معه، فقال الآكل: رفقا أما عرفت هذا ما هو؟ فقال: ما هو؟ قال: عليّ أن أقول هلمّ، وعليك أن تقول هنيئا، حتى يكون كلاما بكلام. فقام الرجل، فقال: قد أعفيتك من التسليم ومن تكليف الرد، فقال: قد أعفيت نفسي إذا من هلمّ.
قال شاعر:
وجيرة لا ترى في النّاس مثلهم ... إذا يكون لهم عيد وإفطار
أن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يدركنا ما تنضج النّار
المستأثر بسنى الطّعام على الضّيف
قيل: كان مالك بن المنذر يقدم إليه ثريدة بلقاء ما يليه منها حواري، وما يلي الناس خشكار، فقال شاعر:
أمير يأكل الفالوذ فردا ... ويطعم ضيفه خبز الشّعير
وقال أبو بكر بن أبي سعيد لأبي الفضل بن العميد وقد استبد بأكل طعام دون ندمائه: أيها الأستاذ هذا من الصفايا، أراد به قول الشاعر:
لك المرباع منها والصّفايا «١»
وقال: وقد قدّم طعام فمدّ أبو الفضل سبط العميد يده فتناوله، فقال: أنت كما قال:
أبوك لنا غيث نعيش بسيبه ... وأنت جراد لست تبقي ولا تذر «٢»
[من حرد لتناول أكيله ما بين يده]
أكل أعرابي مع سليمان بن عبد الملك، فتناول الأعرابي من بين يديه شيئا فأكله، ثم مدّ يده فتناول شيئا آخر، فقال سليمان: كل ممّا يليك، فقال: أو ههنا حمى، فقال: خذها لا هنأ لك المرتع.
وأكل صعصعة مع معاوية فأخذ شيئا من بين يديه، فقال معاوية: انتجعت، فقال: من أجدب انتجع ومن لم يعد الجواب انقطع. وأكل آخر مع معاوية فجعل يمزق جديا على المائدة ويمعن في أكله، فقال معاوية: إنك تحرد عليه كأن أمه نطحتك، فقال الرجل:
وإنك المشفق عليه كأن أمه أرضعتك.
ذمّ من لا يظفر بخبزه
قيل لرجل: كيف وجدت فلانا؟ قال: كان بي الجوع فانتظرت الطعام فأبطأ