قد تقدّم خبر عبد الملك حين هرب من الطاعون في هذا الفصل، وأراد رجل من أهل البصرة أن يهرب من الطاعون، فركب حمارا له ومعه غلام يتبعه فسأله أن يرتجز، فقال:
لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي منعة طيّار
قد يصبح الله أمام الساري
فقال صدقت، وحطّ رحله ومات فيمن مات.
[كثرة الوباء]
كثر الموت سنة بالبصرة فقيل للحسن: ألا ترى؟ فقال: ما أحسن ما صنع ربّنا، أقلع مذنب وأنفق ممسك ولم يغلط بأحد. وإذا قيل له: قل الموت يقول: ما يبقى أحد.
(٢) وممّا جاء في الغموم والصبر والتّعازي والمراقي
[الأسباب الموجبة للحزن]
قال يعقوب الكندي: أسباب الحزن فقد محبوب أو فوت مطلوب، ولا يسلم منهما إنسان. لأن الثبات والدوام معدومان في عالم الكون والفساد. وقال الحسن: الدنيا دار غموم فمن عوجل فجع بنفسه، ومن أجّل فجع بأحبابه.
وقال بعض أصحاب المنطق: من أراد أن لا يصاب بمصيبة فقد أراد ما لا يكون، لأن المصائب بالكون والفساد في الطبع فينبغي أن يكون منا على بال. إن جمع الأشياء التي تصل إلينا كانت قبلنا لغيرنا فانتقلت إلينا بشريطة ما كان لمن قبلنا.
النّهي عن اتخاذ ما يورث الجزع ومدح فاعل ذلك
. قال ابن الرومي:
ومن سرّه أن لا يرى ما يسوؤه ... فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا
وقيل لسقراط: مالك لا تجزع؟ قال: لأني لا أقتني ما يحزنني فقده.
من نهى عن الجزع وبيّن قلّة عنايته
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: من انقطع رجاؤه مما فات استراح بدنه. وقيل لرجل اشتد جزعه: لو آمنت بالمرتجع لم تجزع، ولو اقتصدت في التمتع لم تضرع، فالجزع لا يلم ما تشعث ولا يرم ما انتكث. الجزع منقصة الحياة، ومن أعان على نقصان حياته فقد عظمت خطيئته.