قيل: إذا أوحشت الحرّ فلا ترتبطه فإذا ارتبطته فلا توحشه. لمّا قدم عبد الملك المدينة خطب فقال: والله ما تحبونا ولا نحبكم ونحن أصحاب يوم الحرة وإنما مثلنا، كما قال النابغة «١» :
أبى لك قبر لا يزال مواجها ... وضربة فأس فوق رأسي ناقره «٢»
وحديث ذلك أن العرب زعمت أن حية كانت في بيت رجل فقتلته فترصدها أخوه ليقتلها طالبا بثأره فقالت له الحية: صالحني على أن اؤدى إليك كل يوم دينارا ففعل. فلما كثر ماله تذكر دخله فأعد فأسا وترصدها فرماها وأشواها، فقطع ذنبها فافلتت وندم الرجل لما لم ينل ثأره، وفاته ما كان يناله فدعاها يوما إلى المراجعة على أن يصالحها فقالت: لا يقع الصلح بيننا ما رأيت قبر أخيك وأرى أثر الفأس في ذنبي.
وحكي أن رجلا كان له عبد سندي فتعرض لامرأته فعلم الرجل بذلك فأخذه وجبهه «٣» ثم تحوّب «٤» لذلك فداواه. فلما برأ اتفق إن غاب الرجل يوما فعمد السندي المحبوب إلى ابنين كانا لسيده فأخذهما وصعد السور فلما بصر بالرجل قال: والله إن لم تجب نفسك كما جببتني لاقذفهما من السور ليموتا، وإن نفسي لأهون من شربة ماء. فلما رأى الرجل منه الجدّ جبّ نفسه فرمى العبد بالابنين من السور، وقال إن جبّك نفسك قصاص لما جببتني وقتل ابنيك زيادة أعطيتكها.
التحذير من عدوّ قاهر
قيل: أحذر الناس أن يحذر عدوّ قاهر وسلطان جائر. وقيل: إيّاك ومعاداة من أن أرادك بسوء أرداك «٥» ، وإن أردته بسوء لم توجع إلّا حشاك، وقيل: لا تعاد من غيظك عليه غيظ الأسير على القد.
[النهي عن الاستعانة بمن ظلمته]
قيل: العدوّ عدوان عدوّ ظلمته وعدو ظلمك، فإن اضطرك الدهر إلى أن تستعين بأحدهما فاستعن بالذي ظلمك فإنه أحرى «٦» أن يعينك وإن الذي ظلمته موتور «٧» .