للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: التأسف على الفائت تضييع وقت ثان إن كنت جازعا لما أفلت منك، فاجزع على ما لم يصل إليك. الحزم التسلي عما لا يغني الغم فيه والاحتيال لدفع ما يندفع بالحيلة. وقيل لحكيم: الخوف أشدّ أم الحزن؟ فقال: الحزن لأن الخوف صار مكروها لما فيه من الحزن، فكما أن السرور غاية كل محبوب فالحزن غاية كل مكروه.

[ذهاب الحزن بعد انقضاء المدة]

الحزن ينضو عن ابن آدم كما ينضو الصبغ عن الثوب ولو بقي لقتله. قال المتنبي:

وللواجد المكروب من زفراته ... سكون عزاء أو سكون لغوب «١»

[حقيقة الصبر]

قيل: الصبر حبس النفس على المكروه وعما تدعوك إليه. وقيل: الصبر صبران، صبر على المكروه فيما يلزمك فعله وصبر عما يدعوك إليه الهوى. وسمع رجل آخر يقول:

اللهم أرزقني صبرا، فقال له: ما أراك تسأل الله إلا الغم.

الحثّ على دفع النّدب بالصّبر

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: الصبر ستر من الكروب وعون على الخطوب. أفضل العدّة الصبر على الشدة. وقال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: الصبر مطيّة لا تكبو، والقناعة سيف لا ينبو. إذا استهدف غرض الهم فارمه بنبال الصبر. وقيل: اجعل صبرك على النوائب كفاء شكرك على المواهب. الصبر عند النقم والشكر عند النعم.

وقال عمر رضي الله عنه: لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت. الصبر يناضل الحدثان والجزع من أعوان الزمان. وما في الشكوى إلا أن تحزن صديقك وتشمت عدوك. وقال أنو شروان: جميع مكاره الدنيا تنقسم إلى قسمين، ضرب فيه حيلة فالإضطراب دواؤه، وضرب لا حيلة فيه فالإصطبار شفاؤه، وقالت الفرس: كلمتان يقولهما العاقل عند نائبته، إحداهما هذه الحال خير ممّا هو شر منها، والأخرى لعل الله أن يجعل في هذا المكروه خيرا.

وكلمتان يقولهما الجاهل: لعل ما أصابني يدعو إلى شر منه والأخرى لو كان بدل هذا كذا وكذا من المصيبة، قال شاعر:

ولخير حظّك في المصيبة أن ... يلقاك عند نزولها الصبر

[الصبر يفضي إلى الفرح والظفر]

الصبر على مرارة العاجل يفضي إلى حلاوة الآجل. إنك لا تنال قليل ما تحب إلا بالصبر على كثير ما تكره. حيلة من لا حيلة له الصبر. قيل: لكل شيء ثمرة وثمرة الصبر

<<  <  ج: ص:  >  >>