للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: الأحزان تسقم القلوب كما أن الأمراض تسقم الأبدان. وقيل: الغمّ يشيب القلب والهرم يشيب الرأس.

النّهي عن الإفراط في البكاء وإظهار الجزع على الأموات

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: إن الميت ليعذّب ببكاء أهله.

وأنكرت عائشة ذلك وقرأت: (ألا تزر وزرة وزر أخرى) «١» . وقيل: معناه يعذّب بأفعاله التي يندب بها من غاراته وقتاله.

ودخلت أعرابية الحضر فسمعت بكاء من دار فقالت: ما هذا؟ أراهم من ربّهم يستغيثون ومن استرجاعه يتضجرون ومن جزيل ثوابه يتبرمون. وقال أبو سعيد البلخي: من أصابته مصيبة فأكثر الغم جعل الله عقوبته غما مثله. قال الله تعالى: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا

«٢» الآية. وقال صلّى الله عليه وسلّم: النائحة إذا لم تنب قبل أن تموت أقيمت يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من كبريت.

[الرخصة في البكاء وإظهار الجزع ما لم يكن إفراطا]

دخل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه على النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم موت إبنه إبراهيم، فوجد عينيه تذرفان، فقال: يا رسول الله ألست تنهانا عنه؟ قال: أنا ذو رحمة ولا يرحم من لا يرحم. وإنما نهى عن النياحة، وأن يندب المرء بما ليس فيه.

وسمع عمر رضي الله عنه باكية في جنازة فزجرها فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: دعها فإن العهد قريب والنفس مصابة. وقام الحسن البصري على قبر أخيه فبكى شديدا فقيل له في ذلك فقال: ما رأيت الله عاتب يعقوب على طول بكائه على يوسف عليهما السلام.

بل قال: وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ

«٣» . وقيل لأعرابي: أصبر فالصبر أجر، فقال: أعلى الله أتجلد؟ والله للجزع أحب إليّ، لأن الجزع استكانة والصبر قساوة.

وقيل لفيلسوف: أخرج الحزن من قلبك فقال: لم يدخله بإذني فأخرجه بإذني. وأفرطت امرأة في الجزع على إبنها فعوتبت في ذلك فقالت: إذا وقع حكم الضروريات لم يقع عليها حكم المكتسبات، فأما جزعى فليس في الطاعة صرفه ولا في القدرة منعه ولي عذر للضرورة، فإن الله تعالى يقول: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ

«٤» وقال خالد بن صفوان: صبرك في مصيبتك أحمد من جزعك، وجزعك في مصيبة أخيك أحمد من صبرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>