للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قلّ تفكّره في أمر الأرزاق وتوكّل على الرزّاق

قيل لصوفي من أين رزقك؟ قال: الذي خلق الرحى يأتيها بالطحين. وقيل لآخر، فقال: من كدك على رغم أنفك رب ساع لقاعد. وقيل لزاهد من أين المطعم؟ فقال: من عند المنعم، فقال: هل بالقرب من يأتيك برزق من قوم؟ قال يأتيني به من لا تأخذه سنة ولا نوم.

وأتى رجل إلى شقيق البلخي يطلبه، فقالت امرأته قد خرج إلى الجهاد، فقال: وما خلف عليكم؟ فقالت: أرزاق شقيق أو مرزوق؟ فقال: بل مرزوق، فقالت: إن المرزوق خلف علينا الرزاق. يا هذا لا تعد إلينا فتفسد على الله قلوبنا، وسئل آخر فقال:

إن الذي شقّ فمي ضامن ... لي الرزق حتّى يتوفّاني

وسئل أحمد بن الجلاء عن قوم يدخلون البادية بلا زاد، قال: هم رجال الحق، قيل: فإن هلك أحدهم، قال: الدية على العاقلة. وقال عبد الواحد بن زيد: اجتزت بجبل لكّام «١» فرأيت جارية سوداء عليها جبة صوف، قلت من أين؟ قالت: من عند من لا تخفى عليه خافية، فقلت: إلى أين؟ قالت: إلى من يعلم السرّ وأخفى، فقلت ليس معك زاد، فنظرت إليّ شزرا وقالت:

من قصد الله لا يبالي ... بأيّ أرض بها يموت

ولم يخامره فسخ عزم ... إن هو أبطأ عليه قوت «٢»

روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه ذكر عنده أن قوما من اليمن يحجون بلا زاد، فقال: أليس قد قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى

«٣» . وقيل: عجبا لمن آمن بكتاب الله تعالى ثم رفع بعد سماعه لقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ

«٤» حاجة إلى غير الله تعالى.

تبكيت من يشفق لفقد القوت ويبكي لضرّ

شكا رجل إلى الحسن سوء الحال وجعل يبكي، فقال الحسن: يا هذا كل هذا اهتماما بأمر الدنيا، والله لو كانت الدنيا كلها لعبد فسلبها ما رأيتها أهلا لأن يبكى عليها، قال كشاجم:

لا تغد كلّا واجتنب ... أمرا يخاف العبد عاره «٥»

وإذا عدمت من المآ ... كل كلّها فكل الحجاره

<<  <  ج: ص:  >  >>