الحنبلي وغيرهما، في الوقت الذي رحبت فيه موساعاتهم أو معاجمهم بأعلام أقلّ منه نباهة وأقصر، في حقل التأليف، باعا.
بسبب هذا الصدوف عن احتضان الراغب الأصفهاني الرجل والعالم، وجدنا أنفسنا نفتقر إلى كثير من الأرقام والأخبار التي من شأنها تحديد المحطّات الهامة في تاريخ حياته، والخطوط الرئيسة من سيرته، بين الولادة وعهد الطلب وعهد الأستاذية، لمعرفة كبار شيوخه وبالتالي تلامذته، وغير ذلك من وقائع تلك الحياة وروابطها الاجتماعية والسياسيّة.
وأيّا كانت طبيعة المعطيات الكامنة وراء افتقادنا آثار أقدام الراغب الأصبهانيّ فوق رمال عصره، فنحن نستطيع أن نرسم صورة لكثير من معالم تلك الأقدام الضائعة في ضوء أحداث القرن الخامس الهجري والإحاطة بظروفه وأحواله على كافة الصعد سياسيا واجتماعيا وفكريا:
لقد شهد عصر الراغب الأصفهانيّ، من الناحية السياسية حدثين كبيرين في فترتين متباعدتين: أما الأول فهو ظهور مملكة السلاجقة في أواسط تركستان والغرب لتشتمل منذ نهاية العقد الثالث من القرن الخامس أي حوالي سنة ٤٣٠ هـ (١٠٣٨ م) على رقعة واسعة من البلدان، من أرض الصين وأفغانستان في شرقي آسيا إلى كردستان والعراق والشام لجهة الغرب.
أما الحدث الثاني الذي أشرنا إليه فهو حملة الصليبيين التي انطلقت من أوروبا غربا إلى بيت المقدس في فلسطين مكتسحة الشام من أعاليها وصولا إلى مصر.
ويتضح للمتأمل في حياة الراغب أنها ظلّلت جميعا بحكم السلاجقة ولكنّها لم تعاصر حرب الصليبيين إلا في السنوات الاثنتي عشرة التي سبقت وفاته، ومعلوم أن الراغب مات سنة ٥٠٢ هـ (١١٠٨ م) ، وأن دولة الصليبيين أرسيت مدامكها الأولى سنة ٤٩٢ هـ (١٠٩٨ م) .
ولئن كان التمهيد لكتاب من آثار الراغب لا يسمح لنا بأن نتبسط في درس ظروف بيئته العامّة والخاصّة إبّان القرن الخامس الهجري، إلا أننا نقف عند بعض الوقائع الكبرى في سياق العصر انطلاقا من بدايات العقد الخامس أي في حدود السنة ٤٤٤ هـ، ولا ندري هل كان الراغب آنذاك قد أبصر نور الحياة أم أن ولادته كانت بعد هذا التاريخ؟
ففي السنة المذكورة كما يذكر الذهبي في تاريخه «١» ذرّت الفتن المذهبية قرنها في بغداد، ولا سيّما في الكرخ، وجرت تصادمات بين فئات متناوئة فكان قتال وحملات ومناوشات وشبّت نيران ووقعت الضحايا من كل فريق.
وفي هذا العام بالذات لم تقتصر الفتن على داخل البلاد بل بدأت الغارات على جهات