للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضاً: «لا تقلدني ولا تقلدْ مالكاً ولا الشافعيَّ ولا الأوزاعيَّ ولا الثوريَّ وخذْ من حيثُ أخذوا» (١)

وقال -رحمه الله-: «رَأْيُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَرَأْيُ مَالِكٍ، وَرَأْيُ سُفْيَانَ كُلُّهُ رَأَيٌ، وَهُوَ عِنْدِي سَوَاءٌ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي الْآثَارِ» (٢)

وقال -رحمه الله-: «مَنْ رَدَّ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلَكَةٍ» (٣)

فهذه الكلمات تدل على تقواهم لله وإخلاصهم وصدقهم مع الله تعالى وعظيم نصحهم للأمة وإنصافهم للدين والسنة.

وتأمل وصف الحافظ الإمام شمس الدين ابن القيم -رحمه الله- للسلف في القرون المفضلة إذ قال: وَكَانَ دِينُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَجَلَّ فِي صُدُورِهِمْ، وَأَعْظَمَ فِي نُفُوسِهِمْ، مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهِ رَأْيًا أَوْ مَعْقُولًا أَوْ تَقْلِيدًا أَوْ قِيَاسًا، فَطَارَ لَهُمْ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ فِي الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ، ثُمَّ سَارَ عَلَى آثَارِهِمْ الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ، وَدَرَجَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ الْمُوَفَّقُونَ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ، زَاهِدِينَ فِي التَّعَصُّبِ لِلرِّجَالِ، وَاقِفِينَ مَعَ الْحُجَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ، يَسِيرُونَ مَعَ الْحَقِّ أَيْنَ سَارَتْ رَكَائِبُهُ، وَيَسْتَقِلُّونَ مَعَ الصَّوَابِ حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ مَضَارِبُهُ، إذَا بَدَا لَهُمْ الدَّلِيلُ بِأُخْذَتِهِ طَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا، وَإِذَا دَعَاهُمْ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- إلَى أَمْرٍ انْتَدَبُوا إلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا قَالَ بُرْهَانًا، وَنُصُوصُهُ أَجَلُّ فِي صُدُورِهِمْ وَأَعْظَمُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، أَوْ يُعَارِضُوهَا بِرَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ ا. هـ

ثم تحدث عن حال المتعصبة فقال: ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ؛ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا، وَكُلٌّ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ،


(١) مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول لأبي شامة (ص: ٦١) إعلام الموقعين عن رب العالمين ت مشهور (٣/ ٤٦٩)
(٢) جامع بيان العلم وفضله (٢١٠٧)
(٣) الإبانة الكبرى لابن بطة (٩٧)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (٧٣٣)، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (١/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>