للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَعَلُوا التَّعَصُّبَ لِلْمَذَاهِبِ دِيَانَتَهُمْ الَّتِي بِهَا يَدِينُونَ، ورُؤُوس أَمْوَالِهِمْ الَّتِي بِهَا يَتَّجِرُونَ، وَآخَرُونَ مِنْهُمْ قَنَعُوا بِمَحْضِ التَّقْلِيدِ وَقَالُوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)} [الزخرف]، وَالْفَرِيقَانِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ مِنْ الصَّوَابِ، وَلِسَانُ الْحَقِّ يَتْلُو عَلَيْهِمْ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} [النساء: ١٢٣]. قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ: «أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ» (١). وقَالَ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ: «أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعِلْمَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ» (٢)، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ -رحمه الله-، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ الدَّلِيلِ، وَأَمَّا بِدُونِ الدَّلِيلِ فَإِنَّمَا هُوَ تَقْلِيدٌ، فَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَانِ الْإِجْمَاعَانِ إخْرَاجَ الْمُتَعَصِّبِ بِالْهَوَى وَالْمُقَلِّدِ الْأَعْمَى عَنْ زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ، … وَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ وَرَثَةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ يَجْهَدُ وَيَكْدَحُ فِي رَدِّ مَا جَاءَ بِهِ إلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ وَمَتْبُوعِهِ، وَيُضَيِّعُ سَاعَاتِ عُمْرِهِ فِي التَّعَصُّبِ وَالْهَوَى وَلَا يَشْعُرُ بِتَضْيِيعِهِ … إلخ (٣)

وقال ابن الجزري -رحمه الله- في منظومته "الهداية في علم الرواية":

والحذَرَ الحذَرَ من تَعَصُّبِ … وأنْ تَرُدَّ سنةً بمَذْهَبِ

وعلى هذا كان الأئمة من السلف الذين كانت لهم كلمات نيرة في دعوة الناس إلى اتباع السنة وعدم التعصب لأحد من الأمة، وهذا هو النهج الذي يجب أن يسير عليه المسلمون.


(١) قال محقق كتاب «الروح - لابن القيم» (٢/ ٧٣٥ ط عطاءات العلم): بهذا اللفظ ذكره المصنف في إعلام الموقعين (٢/ ٢٨٢) ومدارج السالكين (٢/ ٣٣٥) والرسالة التبوكية (٤٠). وكذا نقله الفلاني في إيقاظ الهمم (٥٨) ولعل مصدره كتب ابن القيم. وقال الشافعي في الأم (٧/ ٢٥٩): «ولا يجوز لعالمٍ أن يدع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لقول أحدٍ سواه». ونحوه في (١/ ١٥١). وانظر رسالته (٣٣٠) ا. هـ
(٢) انظر: جامع بيان العلم وفضله» (٢/ ٩٩٣).
(٣) إعلام الموقعين عن رب العالمين ت مشهور (٢/ ١٠ - ١٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>