للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء عن أبي رزين -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عَبْدِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ» (١) قال: قلت: يا رسول الله، أو يضحك الربُّ -جل وعلا-؟» قال: نَعَم «قال: لن نعدم من ربٍّ يضحك خيرًا» (٢).

فاستبشر لما عرف أن الله -سبحانه وتعالى- يُوصَف بأنه يضحك. والسلف يثبتون لله تعالى صفة الضحك حقيقةً على ما يليق بجلاله وعظمته، بلا تكييف، ولا تعطيل مع تنزيهه -سبحانه وتعالى- عن مشابهة المخلوقين فإنه -سبحانه وتعالى-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى].

وهكذا ينبغي للمؤمن أن يتأمل أسماء الله الحسنى الواردة في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقف عندها.

فلو قرأ أحدنا الفاتحة، ووقف عند أسماء الله الواردة في هذه السورة المباركة، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)} [الفاتحة] فإنه يجدها آية عظيمة، تشتمل على اسمين كريمين: اسمه الكريم "الله"، واسمه "الرب"، فيقف الإنسان متأمِّلًا عند هذين الاسمين الكريمين اللَّذين جمعَ الله -جل وعلا- فيهما بين الألوهية والربوبية؛ فالله هو الإله المعبود بحق، لا يستحق أن يُعبَد أحد سواه؛ وهو رب العالمين ورب الخلائق أجمعين، رَبَّاهم بنعمه، وأكرمهم -جل وعلا- بما يسدي إليهم من عظيم مننه.

ثم يقرأ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)} [الفاتحة] فيتأمل في هذين الاسمين الكريمين.

وهكذا يقرأ الإنسان كتاب الله، فتمر عليه الآيات، فيتفكر فيما اشتملت عليه


(١) قوله: "وقرب غِيَرِه"، ضبط بكسر معجمة، ففتح ياء: بمعنى تغير الحال، كما في "النهاية"، ونحوه في "الصحاح" وضميره: قيل هو: لجنس العبد، والمراد تغير حاله من القوة إلى الضعف، ومن الحياة إلى الموت، وهذه الأحوال مما تجلب الرحمة لا محالة في الشاهد، فكيف لا يكون أسباباً عادية لجلبها من أرحم الراحمين. قال السندي: والضمير لله، والمعنى أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير آيساً من الخير بأدنى شر وقع عليه مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير، ومن مرض إلى عافية، ومن بلاء ومحنة إلى سرور وفرحة ا. هـ انظر: «حاشية السندي على سنن ابن ماجه» (١/ ٧٧).
(٢) أحمد (١٦١٨٧)، ابن ماجه (١٨١). وهو حديث حسن لغيره كما في السلسلة الصحيحة (٢٨١٠). وصفة الضحك ثابتة لله -عز وجل- في السنة الصحيحة كما في صحيح البخاري (٢٨٢٦) ومسلم (١٨٩٠) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلَانِ الجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>