وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» (١). فالعبد إذا دعا بهذه الدعوة العظيمة المباركة فهو يدعو لنفسه بخيري الدنيا والآخرة.
ثم يقول:«وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ»، أي تولَّ -ياربِّ- أمري، وانصرني، واهدني، ويسر لي أمري، وإنه إذا تولاك الله -جل وعلا- أصبحت من الفائزين في الدنيا والآخرة، فإنَّه لا يذل من والاه الله، ولا يعز من عاداه الله -جل وعلا-. إذا تولاك الله أصبحت قوياً، مهاباً، عظيم الجانب، لم يستطع أن ينال منك أحد إلا أن يكون ابتلاءً من الله -جل وعلا-. فما أعظم هذه الدعوة المباركة، يتولى الله أمرك، ويتولى الله حاجاتك، وينصرك، ويكلؤك بالحفظ والتأييد في الدنيا وفي الآخرة.
وقوله:«وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ»، تسأل الله -عز وجل- أن يبارك لك، والبركة هي الخير الكثير الثابت، البركة: تكثير الشيء وثباته ولزومه، فتسأله -تعالى- أن يبارك لك في كل ما أعطاك من علم أو من مال أو ولد أو مسكن؛ وترضى بما آتاك الله، والبركة إذا حلَّت في القليل كَثَّرته وفي اليسير نمَّتْه وجعلته دائمًا ثابتا. فإذا أعطاك الله المال، وأعطاك الصحة، وأعطاك الولد، وأعطاك النعم التي لا تعد ولا تحصى، فأنت تسأل ربك أن يثبّتها لك، وأن يبارك لك فيها، وأن يحفظها عليك، وأن يجعلها نعمة تامة دائمة، يرزقك الله شكرها. فكم من أناس أُعطوا مالاً، أو ولداً، أو صحة، أو أي نعمة أخرى، لكن نُزعت البركة من أعطياتهم، فلم يجدوا لها لذة، فيعيش غنيهم حياة الفقراء البؤساء؛ إذ سُلبت منه البركة، والبركة من الله -جل وعلا-، هو الذي يبارك الأشياء، وهو الذي يحفظها على الإنسان، فأنت تدعو بهذه الدعوة أن يحفظ الله -جل وعلا- عليك النعم التي أعطاك إياها.
وقوله:«وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ» سؤال لله أن يقيك شرَّ الذي قضاه؛ فإن الله قد يقضي
(١) أخرجه أبو داود (٥٠٧٤)، وابن ماجه (٣٨٧١) واللفظ له وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٦٥٩) وصححه شيخنا العلامة الوادعي في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (١٥٤٨)