للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشر لحكمة بالغة، والشرُّ واقعٌ في بعض مخلوقاته لا في خلقه ولا في فعله؛ ولهذا فإن الشر ليس إلى الله -جل وعلا-؛ فإن فعله وخلقه خيرٌ كله. والعبد يسأل الله -جل وعلا- أن يصرف عنه شر هذا المقضيِّ الذي قضاه له، وفي هذا تسليم لرب العالمين -جل وعلا-. فهذا الدعاء يتضمن سؤالَ الله الوقايةَ من الشرور والسلامةَ من الآثام والحفظَ من البلايا والفتن. ثم يقول: «إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ» فيتوسل إلى الله -جل وعلا- بأنه-سبحانه-يقضي على كل شيء؛ لأن له الحكم التام والمشيئة التامة والقدرة النافذة. يقول الله -جل وعلا-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٣٠] فيجب أن تؤمن أنه لن يكون في الكون شيء إلا بمشيئة الله. فقولك: «وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ»، تعترف لله -جل وعلا- بأن الأمر أمره، وبأن القضاء قضاؤه، وبأنَّه سبحانه كتب الأشياء، وقدَّرها، وشاءها، وخلقها، فلا مفرَّ من قضاء الله وقدره، فيدعو العبد ربه سبحانه أن يقيه جميع الشرور، ولو استجيب لك في هذه لسعدت في الدنيا وفي الآخرة، فالشرور التي تحيط بالإنسان كثيرة، فيلجأ المؤمن والعبد الضعيف إلى الله الغني الحميد أن يقيه جميع الشرور، فالأمر بيد الله، هو الذي يرفع الضر والبأساء، هو الذي يصرف عنك البلاء، وهو الذي يغني بعد فقر، وهو الذي يعافي بعد مرض، وهو الذي يعطي سبحانه من يشاء، فعلق قلبك بربك.

ثم يقول العبد في دعائه: «إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ»، وهي كلمات عظيمة يثني بها العبد على ربه -جل وعلا-، ومن آداب الدعاء: أن يثني العبد على ربه في دعائه، فقمن حينئذ أن يستجاب له دعواته لله. فإذا تأملت هذه الكلمات رأيت أنها جمعت فأوعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>