للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الأحاديث لا تعارض ما تقدم من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ».

قال القاضي عياض -رحمه الله-: وقد قال الطبري -رحمه الله-: إنه لا تعارض بينهما؛ لأن المراد بهذا الخصوص ومعناه: لا تقوم الساعة على أحد يوحد الله إلا في موضع كذا، التي بها الطائفة المذكورة، (١) وقيل: بل هذا فى وقت دون وقت، وأن هذه الطائفة تبقى إلى حين قيام الساعة التي تقبض روح كل مؤمن، كما جاء في الحديث في الباب فى كتاب مسلم: «ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا … فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ»، فقد فسر في الحديث نفسه القصة، وجمع الحديثين، وأن أولئك يموتون بين يديها، فلا تقوم حينئذ إلا على شرار الخلق، ومن لا يؤمن بالله ا. هـ (٢)

وهذا الأخير هو الذي ارتضاه الحافظ فقال: هَذَا أَوْلَى مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثين الْمَذْكُورين ا. هـ (٣)

ويتأكد هذا الجمع بما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- في صحيح الإمام مسلم أيضا- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى» قالت: فقلتُ: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)} [التوبة] أن ذلك تامًّا قال: «إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ» (٤).


(١) انظر: «تهذيب الآثار مسند عمر» للطبري (٢/ ٨٢٧ وما بعدها)
(٢) «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (٦/ ٣٤٩) وانظر: «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (٣/ ٧٦٤)، «فتح الباري لابن حجر» (١٣/ ٧٧، ٢٩٤)
(٣) فتح الباري (١٣/ ٢٩٤)
(٤) صحيح مسلم (٢٩٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>