قلت: وأحق الناس بوصف الطائفة المنصورة المذكورة في هذه الأحاديث هم أهل الحديث كما نص على هذا أئمة السلف (١).
(١) قال الإمام عبدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ: هُمْ عِنْدِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ. [رواه أبو طاهر السِّلَفي في المشيخة البغدادية (ص: ٢٣) والخطيب في شرف أصحاب الحديث (ص: ٢٦) عن أَبُي بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ، أَوْ غَيْرُهُ، عن ابْنِ الْمُبَارَكِ به. وسنده صحيح لولا الشك عن الطالقاني]. وقال الإمام أحمد: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم. [رواه الحاكم في المعرفة - ومن طريقه العلائي في إثارة الفوائد (١/ ٨٢) - وصحح إسناده الحافظ في الفتح. وأخرجه أيضا الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (ص ٢٥ و ٢٧) من طريقين عن الإمام أحمد، وهو مشهور عن الإمام أحمد ذكره غير واحد من العلماء والشراح عنه]. وروي عن الحافظ الثقة -شيخ الإمام أحمد-؛ يزيد بن هارون الواسطي المخرج له في الكتب السنة: مثله. [رواه عنه -بسند ضعيف-، الرامهرمزي في المحدث الفاصل ت أبو زيد» (٢٥)، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (ص: ٢٦) وأبو القاسم قوام السنة في كتاب الحجة (١/ ٢٦٣ عند الحديث رقم ٩٩). وانظر فتح الباري (١٣/ ٢٩٣)]، وقال إمام أهل عصره في الحديث والعلل علي ابن المديني -شيخ البخاري-: هم أصحاب الحديث ا. هـ[رواه الترمذي عن البخاري عنه. انظر: سنن الترمذي (٤/ ٤٨٥/ عقب حديث رقم ٢١٩٢)]. وقال الإمام البخاري: في صحيحه (٩/ ١٠١)، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ» يُقَاتِلُونَ: وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ]. وفي رواية عنه قال: هم أهل الحديث. [أسنده عنه قوام السنة في الحجة في بيان المحجة (١/ ٢٦٣)] وفي رواية أخرى عنه: وعنه أيضا: أنهم المعنيون بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [كما في خلق أفعال العباد (ص ٦٠)]؛ وقال الحافظ الثقة أحمد بن سنان الواسطي (ت: ٢٥٩ هـ): هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَصْحَابُ الْآثَارِ ا. هـ[رواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث (ص: ٢٧) وأبو القاسم في الحجة (١/ ٢٦٣) بسند صحيح عنه]؛ وكل هذه التفاسير صحيحة فهي متفقة على أن المراد بهذه الطائفة: هم أهل العلم بالحديث والسنة. وهم كما قال ابن رجب: من حفظ الحديث وعلمه وعمل به، لا من اقتصر على طلبه" [فضائل الشام "مجموع رسائل ابن رجب (٣/ ٢٢٠)]. وقال الحافظ أبو عبد الله الحاكم: -لما نقل تفسير الإمام أحمد المتقدم-: (وَفِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ: مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحَقِّ فَلَقَدْ أَحْسَنَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَنْصُورَةَ الَّتِي يُرْفَعُ الْخِذْلَانُ عَنْهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَمَنْ أَحَقُّ بِهَذَا التَّأْوِيلِ مِنْ قَوْمٍ سَلَكُوا مَحَجَّةَ الصَّالِحِينَ، وَاتَّبَعُوا آثَارَ السَّلَفِ مِنَ الْمَاضِينَ وَدَمَغُوا أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْمُخَالِفِينَ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ مِنْ قَوْمٍ آثَرُوا قَطْعَ الْمَفَاوِزِ وَالْقِفَارِ عَلَى التَّنَعُّمِ فِي الدِّمَنِ وَالْأَوْطَارِ وَتَنَعَّمُوا بِالْبُؤْسِ فِي الْأَسْفَارِ، مَعَ مُسَاكَنَةِ الْعِلْمِ وَالْأَخْبَارِ، وَقَنَعُوا عِنْدَ جَمْعِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ بِوُجُودِ الْكِسَرِ وَالْأَطْمَارِ، قَدْ رَفَضُوا الْإِلْحَادَ الَّذِي تَتُوقُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ الشَّهْوَانِيَّةُ، وَتَوَابِعُ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْمَقَايِيسِ وَالْآرَاءِ وَالزَّيْغِ جَعَلُوا الْمَسَاجِدَ بُيُوتَهُمْ، وَأَسَاطِينَهَا تَكَّاهُمْ، وَبَوَارِيَها فُرُشَهُمْ … إلخ) [«معرفة علوم الحديث» (ص ٢)].