للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: اجتهدوا في الأعمال الصالحة قبل ظهور ست علامات، فذكرها، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ» يعني: حادثة الموت التي تخص كلَّ إنسان يعني قبل أن يأتيك الموت. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «وأَمْرَ الْعَامَّةِ» أراد بالعامة أي: قيام الساعة. فبادر قبل أن تموت، وبادر قبل أن تقوم الساعة، وبادروا قبل طلوع الشمس من مغربها.

وبادروا بالأعمال الصالحة والزموها وقت الفتن؛ فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول أيضًا: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ (١) كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» (٢).

وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بوقوعها وحصولها، وذلك من أمارات الساعة وعلاماتها. فالعبادة في زمن الفتن من الأمور التي تقي الإنسان من الوقوع في الردى، وتقيه من الانخراط مع أصحاب الفتن. والله -جل وعلا- يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: ٤٥] فأعظمُ ما يُستعان به في هذه الأزمان المتأخرة على الفتن طاعةُ الله -جل وعلا-.

ومن ثمرات الإيمان بأشراط الساعة: الاصطبارُ على العلم والتعلم؛ فإن تعلم أشراط الساعة أمرٌ مقصود شرعًا؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحدِّثُ الناس بأشراط الساعة ويخبرهم بما سيقع، ويحثُّهم على معرفة ذلك، فكان يحدِّثُهم عن الدجال، ويخبِرُهم بأمره وبعلاماته، ويُعرِّفُهم بشأنه، ويقول لهم: «مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا» (٣)، هكذا كان يُرغِّب ويَحُثُّ -صلى الله عليه وسلم- الناسَ على ذلك.

ولهذا فإن من واجب العلماء أن يُعلِّموا الناس هذا العلم، ويعرفُوهم به، ويخبروهم بما أخبر به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحثُّوهم على الثبات على العلم؛ فإنَّ العلم والإيمان يعصمان الإنسان من الوقوع في الفتن.

وقد كان من أعظم المثبتات للصحابة في زمن الفتنة، حين خرج الخوارج ما أخبرهم به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من علاماتهم: فقال لهم -صلى الله عليه وسلم-: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى


(١) الهرج: الفتن.
(٢) تقدم في المجلس الأول.
(٣) أخرجه مسلم (٢٩٣٧) من حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>