للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، -عليها السلام-، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ [وفي رواية: الْمُطْمَئِنَّةُ] (١)، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ». قَالَ: «فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا»، [وفي رواية: «حَتَّى إِذَا خَرَجَ رُوحُهُ، صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللهَ: أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ»] (٢)، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ (٣)


(١) من زوائد الحسين المروزي على الزهد لابن المبارك (١٢١٩) وتهذيب الآثار مسند عمر (٧٢٣) للطبري والشريعة للآجري (٨٦٤) والأحاديث الطوال للطبراني (٢٥) ومستدرك الحاكم (١٠٧) وإثبات عذاب القبر للبيهقي (٤٤)
(٢) من مصنف عبد الرزاق الصنعاني (٦٧٣٧) ومسند أحمد (١٨٦١٤) والسنة لعبد الله بن أحمد (١٤٤١)
(٣) انظر- يا عبد الله- إلى ما يحصل للمؤمن عند موته وعند احتضاره كيف يأتيه ملك الموت ومع ملك الموت أعوانٌ له، وملك الموت هذا هو اسمه، ويُسمِّيه بعضُ الناس بعزرائيل، والصحيحُ أن اسمه ملك الموت، كما جاء تسميته في هذا الحديث وغيره، وملك الموت معه أعوان -كما تقدَّم- من الملائكة، فيأتون إلى العبد المؤمن، فتخرج روحه مطمئنة آمنة -فيُصلِّي عليه كلُّ ملك- يعني تدعو له الملائكة، ملائكة في السماء وملائكة في الأرض، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ»، -والحنوط: هو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة، من مسك وذريرة وكافور وغير ذلك-، وانظر إلى هذا الحنوط وهذا الطيب، إنه من الجنة! إنه من عند الله! فانظر كيف يبدأ هذا النعيم مع العبد المؤمن من هذا الوقت ومن هذه الساعة التي تخرج فيها روحه، فيرتاح من تعب الدنيا ونصبها وما فيها من الآلام. ولهذا لما مرت جنازة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قالوا: يا رسول الله، ما مستريح؟ وما مستراح منه؟ قال: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلَادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» -أخرجه البخاري (٦٥١٢)، ومسلم (٩٥٠) من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- فالمؤمن يرتاح بموته؛ لأنه يفرح بلقاء الله -جل وعلا- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» أخرجه البخاري (٦٥٠٧) ومسلم (٢٦٨٣) من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وزاد البخاري- وهو لمسلم من حديثها منفصلا-: فقالت عائشة -رضي الله عنها-: يا رسول الله إنا لنكره الموت! فقال: «لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» -رضي الله عنه-. ولذلك جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أخبرنا عن كيفية ذهاب الميت إلى المقبرة، فقال-وذلك من علم الغيب-: «إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لِأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟! -يعني: تقول: يا ويلي! أين يذهبون بي؟! -يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإِنْسَانُ لَصَعِقَ» أخرجه البخاري (١٣١٦) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. هذا حال المؤمن يا إخواني وهذا من علم الغيب في البرزخ الذي يدخل في الإيمان باليوم الآخر وأمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان به.

<<  <  ج: ص:  >  >>