يتصبَّبُ منهم العرق وتدنو منهم الشمس مقدارَ ميل، وأنَّ من الناس من يغوص في عرقه ويُلجِمُه العرق إلجامًا، وأن منهم من يكون العرق إلى حَقْويه أو إلى ركبتيه، وهاهنا يطلب الناس من يُخلِّصهم في هذا اليوم والموقف العظيمين.
وقد ورد في ذلك أحاديثُ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن ذلك:
ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بلَحْمٍ، فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ، وكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَشَ منها نَهْشَةً، ثُمَّ قالَ: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القِيَامَةِ، وهلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذلكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ واحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي ويَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ والكَرْبِ ما لا يُطِيقُونَ ولَا يَحْتَمِلُونَ، فيَقولُ النَّاسُ: ألَا تَرَوْنَ ما قدْ بَلَغَكُمْ، ألَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ؟ فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: علَيْكُم بآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ -عليها السلام- فيَقولونَ له: أنْتَ أبو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ، ألَا تَرَى إلى ما قدْ بَلَغَنَا؟ فيَقولُ آدَمُ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنَّه قدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي (١)، اذْهَبُوا إلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا -عليها السلام- فيَقولونَ: يا نُوحُ، إنَّكَ أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إلى أهْلِ الأرْضِ، وقدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟! فيَقولُ: إنَّ رَبِّي -عز وجل- قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ،
(١) آدم -عليها السلام- ذو جاه عظيم ومنزلة كريمة عند الله -جل وعلا- ولكنه في هذا الموقف استحيا من ربه، والله سبحانه قد خص بهذا المقام نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم-.