للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنَّه قدْ كَانَتْ لي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا علَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى إبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ -عليها السلام- فيَقولونَ: يا إبْرَاهِيمُ، أنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وخَلِيلُهُ مِنْ أهْلِ الأرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟! فيَقولُ لهمْ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنِّي قدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ - فَذَكَرَهُنَّ الراوي (١) -، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى -عليها السلام- فيَقولونَ: يا مُوسَى، أنْتَ رَسولُ اللَّهِ، فَضَّلَكَ اللَّهُ برِسَالَتِهِ وبِكَلَامِهِ علَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟! فيَقولُ: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنِّي قدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -عليهما السلام-، فَيَأْتُونَ عِيسَى -عليها السلام-، فيَقولونَ: يا عِيسَى أنْتَ رَسولُ اللَّهِ، وكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ منه، وكَلَّمْتَ النَّاسَ في المَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟! فيَقولُ عِيسَى: إنَّ رَبِّي قدْ غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، ولَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي اذْهَبُوا إلى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا، فيَقولونَ: يا مُحَمَّدُ، أنْتَ رَسولُ اللَّهِ وخَاتِمُ الأنْبِيَاءِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟! قال: فأنْطَلِقُ فَآتي تَحْتَ العَرْشِ، فأقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي -عز وجل-، ثُمَّ يَفْتَحُ


(١) جاء في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ [قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ -عليها السلام- إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ -عز وجل-، قَوْلُهُ {إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)} [الصافات]. وَقَوْلُهُ: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٣]. وَقَالَ: بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ، إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأَتَى سَارَةَ قَالَ: يَا سَارَةُ: لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، فَلَا تُكَذِّبِينِي، … » الحديث رواه البخاري موقوفا (٣٣٥٨) ومرفوعا (٥٠٨٤) ومسلم مرفوعا (٢٣٧١). وهذه الكلمات الثلاث إنما كانت من معاريض الكلام، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها؛ استصغارًا لنفسه عن الشفاعة، مع وقوعها؛ لأن من كان أعرف بالله، وأقرب إليه منزلةً كان أعظم خوفًا. قاله البيضاوي. وقوله: «ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ» قال في الفتح: خَصّ الثنتين بذات الله؛ لأن قصة سارة، وإن كانت أيضاً في ذات الله، لكن تضمنت حظّاً لنفسه، ونفعاً له، بخلاف الثنتين الأخيرتين، فإنهما في ذات الله محضاً، وقد وقع في رواية [روها البزار -كما في «البداية والنهاية» (١/ ٣٤٩ ت التركي) - وأبو يعلى (٦٠٣٩) وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (٢/ ١٠٠) وعنه أبو نعيم في طبقات المحدثين بأصبهان (٢/ ١٠٠) -] … : «إن إِبْرَاهِيمَ لم يكذب قطّ إلا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، كل ذلك فِي ذَاتِ اللَّهِ» ا. هـ قلت: وهي رواية صحيحة على الراجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>