للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وحُسْنِ الثَّنَاءِ عليه شيئًا، لَمْ يَفْتَحْهُ علَى أحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فأرْفَعُ رَأْسِي، فأقُولُ: أُمَّتي يا رَبِّ، أُمَّتي يا رَبِّ، أُمَّتي يا رَبِّ، فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ، أدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عليهم مِنَ البَابِ الأيْمَنِ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ، وهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيما سِوَى ذلكَ مِنَ الأبْوَابِ، ثُمَّ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّ ما بيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ، كما بيْنَ مَكَّةَ وحِمْيَرَ أوْ كما بيْنَ مَكَّةَ وبُصْرَى» (١).

وهذا الحديث ونحوه -مما ورد في الشفاعة في الموقف يوم القيامة- فيه الجمع بين نوعين من الشفاعة:

عامة في أهل الموقف كما يدل عليه أول الحديث.

وخاصة لأمته كما يدل عليه آخره «فأقُولُ: أُمَّتي يا رَبِّ، أُمَّتي يا رَبِّ».

ولذلك ذكر جمع من العلماء أن أحاديث الشفاعة وقع فيها اختصار من بعض الرواة.

قَالَ الدَّاوُدِيُّ: كَأَنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ رَكَّبَ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ أَصْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ ذَكَرَ الشَّفَاعَةَ فِي الْإِرَاحَةِ مِنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ وَفِي آخِرِهِ ذَكَرَ الشَّفَاعَةَ فِي الْإِخْرَاجِ مِنَ النَّارِ. قال الحافظ: يَعْنِي وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّحَوُّلِ مِنَ الْمَوْقِفِ وَالْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ وَسُقُوطِ مَنْ يَسْقُطُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي النَّارِ ثُمَّ يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّفَاعَةُ فِي الْإِخْرَاجِ ا. هـ (٢)

وقد بين العلماء (٣) أنه يكون أولا الشَّفَاعَة الَّتِي لَجَأَ النَّاسُ فِيهَا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ الْإِرَاحَةُ مِنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ ثُمَّ تَجِيءُ الشَّفَاعَةُ فِي الْإِخْرَاجِ بعد ذلك. وفسروا حصولَ الإراحةِ من هول الموقف بما ورد في حديث أبي سعيد من الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ كُلِّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ثُمَّ تَمْيِيزُ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ حُلُولُ الشَّفَاعَةِ بَعْدَ وَضْعِ الصِّرَاطِ وَالْمُرُورِ


(١) البخاري (٤٧١٢)، ومسلم (١٩٤).
(٢) فتح الباري لابن حجر (١١/ ٤٣٧ - ٤٣٨)
(٣) انظر المرجع السابق

<<  <  ج: ص:  >  >>