للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-: وأما الأنهار: فهو ما ذكره الله في التنزيل: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: ١٥]، فهذه أربعة أصناف تجري في أنهارها لعامة أهل الجنة في غير أخدود.

وأما العيون: فهي أربعة: تسنيم، وزنجبيل، وكافور، وسلسبيل.

فأما الأبرار: فلهم الكافور خاصة، والأبرار: الصادقون. وأما المقربون: فلهم التسنيم، وهو الصديقون، فذكرهم الله في تنزيله، فقال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥)} [الإنسان]، والكأس: الخمر، فيمزج الخمر لهم بالكافور، ثم وصف الكافور، فقال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (٦)} [الإنسان]. فهذا لهم خاصة، ويمزج من الكافور لسائر أهل الجنة أشربتهم، فأما الشرب، فهو للأبرار، وهم عباد الله، ثم قال في قصتهم: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (١٧) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (١٨)} [الإنسان]، فأخبر أن للأبرار منها مزاجاً تمزج أشربتهم من الزنجبيل، ولم يذكر أنها لهم شرب كما ذكر الكافور. ثم قال في سورة أخرى: إن الأبرار {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين]، ثم قال: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧)} [المطففين]، فأخبر أن للأبرار منها مزاجاً يمزج أشربتهم من التسنيم، ثم أخبر عن التسنيم لمن هي لهم مشرب، فقال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)} [المطففين]، فأخبر أن هذه العين التي اسمها التسنيم هي للمقربين خاصة شرباً، كما أخبر هناك أن الكافور عيناً للأبرار شرباً. وإنما سمي تسنيماً، لأنه أشرف شراب في الجنة وأعلى، مأخوذ من السنام، فقد تسنم العيون والمياه، وأشرف عليهم، تجري من أعلى العرش. تحقق ذلك مما رواه أبو مقاتل، عن صالح بن سعيد، عن أبي سهل، عَنِ الْحَسَنِ -رحمة الله عليه-، أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَرْبَعُ عُيُونٍ فِي الْجَنَّةِ عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ تَحْتَ الْعَرْشِ إِحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (٦)} [الإنسان]، وَالْأُخْرَى زَنْجَبِيلٌ؛ وَ {عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: ٦٦] مِنْ فَوْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>