للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَرْشِ إِحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ {سَلْسَبِيلًا} [الإنسان: ١٨] وَالْأُخْرَى التَّسْنِيمُ للمُقَرَّبينَ. (١). فالتسنيم خاصة شرباً لهم، والكافور للأبرار خاصة شرباً لهم، ويمزج للأبرار من التسنيم بشرابهم، وأما الزنجبيل والسلسبيل، فللأبرار منها مزاج، هكذا ذكره في التنزيل، وسكت عن ذكر ذلك لمن هي شرب لهم، ولا نعلم أهل عليين إلا هذين النصفين: المقربون، والأبرار، فالمقربون: الصديقون، والأبرار: الصادقون، فما كان للأبرار مزاجاً، فهو للمقربين صرفاً، وما كان للأبرار صرفاً، فهو لسائر أهل الجنة مزاج. ". (٢)

وقال ابن القيم -رحمه الله-: في قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥)} [الإنسان]، فهؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين. ثمَّ قال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (٦)} [الإنسان]، فهؤلاء المقربون السابقون، ولهذا خصَّهم بالإضافة إليه، وأخبرَ أنَّهم يشربون بتلك العين صِرفًا محضًا، وأنَّها تُمزَج للأبرار مزجًا: كما قال في سورة المطففين في شراب الأبرار: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)} [المطففين]. وقال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)} [المطففين]، ولم يقل: "منها"، إشعارًا بأنَّ رِيَّهم بالعينِ نفسِها خالصةً لا بها وبغيرها. فضمّن "يشرب" معنى "يروى"، فعدَّى بالباء. وهذا ألطف مأخذًا وأحسن معنى من أن تُجعل الباءُ بمعنى "من"، ولكن يُشرَب الفعلُ معنى فعل آخرَ فيعدَّى تعديته. وهذه طريقة الحذَّاق من النحاة، وهي طريقة سيبويه وأئمة أصحابه. وقال في الأبرار: {مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥)}، لأنَّ شرب المقربين لمَّا كان أكمل استعير له الباء الدَّالّة على شرب الري بالعينِ خالصةً. ودلالة القرآن ألطف وأبلغ من أن يحيط بها البشر … ثمَّ ذكرَ شرابهم يعني المقربين فقال:


(١) الحديث ضعيف مرسل. قال البخاري في التاريخ الكبير (٤/ ٢٨٢): صالح بْن سَعِيد عَنِ الْحَسَن عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وعَنْ أَبِي سهل عَنِ الْحَسَن، مرسل، سَمِعَ منه إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان ا. هـ
(٢) نوادر الأصول في أحاديث الرسول ط النوادر (٣/ ٤٢) النسخة المسندة ت توفيق تكلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>