للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَذْبَحُكَ}) [الصافات: ١٠٢] : وجه الاستدلال بالآية من جهة أنَّ الرؤيا لو لم تكن وحيًا؛ لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده؛ لأنَّه محرَّم، فلولا أنَّه أبيح له في الرؤيا بالوحي؛ لما ارتكب الحرام؛ لأنَّه معصوم عنه كغيره من الأنبياء.

واختلف في الذبيح؛ فقيل: إنَّه إسحاق، وقيل: إسماعيل وهو الأصح، وقال الداودي: قول ابن عمير لا تعلق له بالباب، ورُدَّ بأنَّه ما زاده إلا لأجل أنَّ فيه من نوم العين دون نوم القلب، ولم يلتزم المؤلف ألَّا يذكر من الحديث إلا ما يتعلق بالترجمة فقط، وهذا لم يشترطه أحد.

وفي الحديث: أنَّ نومه عليه السلام مضطجعًا لا ينقض الوضوء، وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام؛ لأنَّ يقظة قلوبهم تمنع عنهم الحدث، وما روي أنَّه عليه السلام توضأ بعد النوم؛ فذلك لعلمه أنَّه استثقل يومًا فاحتاج إلى الوضوء معه، أو أنَّه أحس بالحدث.

وفيه: جواز مبيت من لم يحتلم عند مَحرَمِه.

وفيه: مبيته عند الرجل مع أهله، وقد روي: أنَّها كانت حائضًا.

وفيه: جواز الإمامة في النافلة وصحة الجماعة فيها.

وفيه: جواز ائتمام واحد بواحد، وجواز ائتمام صبي ببالغ.

وفيه: أنَّ أقل الوضوء المجزئ إذا أسبغ مرة مرة مع التقاطر ولو قطرة واحدة.

وفيه: التعليم بالصلاة إذا كان بحركة، لا بحركات، فإنَّه مبطل.

وقال الداودي: فيه: أنَّ النوم الخفيف غير ناقض، ورُدَّ بأنَّه لا دلالة على ما قاله، فإنَّ نومه عليه السلام ليس خفيفًا، بل هو نوم معتاد وهو ناقض في حقِّنا.

وفيه: أنَّ النافلة كالفريضة في تحريم الكلام؛ لأنَّه عليه السلام لم يتكلم.

وفيه: دليل على منع الكلام في الصلاة مطلقًا ولو حرفًا واحدًا مفهمًا، وهو مذهب الإمام الأعظم، وهو حجة على الشافعي في إباحته الكلمة؛ لأنَّه لا دليل عليه.

وفيه: أنَّ الأدب أن يمشي الصغير عن يمين الكبير، والمفضول عن يمين الفاضل، وتمامه في «عمدة القاري».

(٦) [باب إسباغ الوضوء]

هذا (بابُ إسباغِ الوضوء)؛ أي: إتمامه، وإبلاغه مواضعه، وإيفاء كل عضو حقه من غسل ومسح.

(وقال) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب فيما أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» موصولًا بسند صحيح: (إسباغ الوضوء: الإنقاء) : من تفسير الشيء بلازمه؛ لأنَّ الإسباغ لغةً: الإتمام والاتساع، والإتمام يستلزم الإنقاء عادة، ويدل له ما رواه ابن المنذر بإسناد صحيح: أنَّ ابن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات؛ لأنَّه كان يقصد بذلك الإنقاء، واقتصاره في ذلك على الرجلين؛ لأنَّهما محل الأوساخ غالبًا لاعتيادهم المشي حفاة، بخلاف بقية الأعضاء، وقد سبق أنَّ الزيادة على الثلاث ظلم وتعد، وأجيب: بأنَّ ذلك فيمن لم ير الثلاث سنة، وأمَّا إذا رآها وزاد على أنَّه من باب الوضوء على الوضوء؛ يكون ذلك نورًا على نور، كذا قرره في «عمدة القاري».

[حديث: دفع رسول الله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال]

١٣٩ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن مَسْلمَة)؛ بفتح الميمين وسكون السين المهملة: القعنبي، (عن مالك) : هو ابن أنس، (عن موسى بن عُقبة)؛ بضم العين: ابن أبي عَيَّاش -بفتح العين وتشديد التحتية- أبو محمد المدني، مولى الزبير بن العوام، أو مولى أم خالد زوجة الزبير، القرشي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومئة، (عن كُريب)؛ بضم الكاف: ابن أبي مسلم القرشي (مولى ابن عباس) رضي الله عنهما، (عن أُسَامة)؛ بضم الهمزة وفتح السين المهملة (بن زيد) بن حارثة بن شراحيل الكلبي المدني، الحبِّ بن الحبِّ، مولى النبي الأعظم عليه السلام، وابن حاضنته ومولاته أم أيمن -واسمها بركة-، المتوفى بوادي القرى سنة أربع وخمسين على الأصح عن خمس وخمسين سنة، وقد ذكر اسم أبيه في القرآن العظيم: (أنَّه سمعه) جملة محلها الرفع خبر (أنَّ) (يقول) جملة في محل نصب على الحال، ومقول القول قوله: (دفع) أي: أفاض ورجع (رسول الله صلى الله عليه وسلم من) وقوف (عرفة) بعرفات؛ لأنَّ (عرفة) اسم الزمان، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة على الصحيح، فالمضاف فيه يكون محذوفًا، وقيل: عرفة وعرفات كلاهما اسمان للمكان المخصوص، يقال: هذا يوم عرفةَ، غير منون، وعليه فلا حاجة إلى التقدير، ولا تدخلهما الألف واللام، وعرفات: الموضع الذي يقف فيه الحاج يوم عرفة، قال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: ١٩٨]، وهي اسم في لفظ الجمع فلا يجمع، لا واحد لها، وليس بعربي محض، وقول الناس: نزلنا عرفة، شبيه بمولَّد، وإنَّما سميت به؛ لأنَّ آدم عليه السلام عرف حواء بها، فإنَّ الله أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، فتعارفا في الموقف، أو لأنَّ جبريل عرَّف إبراهيم عليهما السلام المناسك هناك، أو للجبال التي فيها، والجبال التي هي الأعراف، وكل باب: عرف، ومنه: عرف الديك، أو لأنَّ الناس يعترفون فيها بذنوبهم ويسألون غفرانها، أو لأنَّها مكان مقدس معظم قد عُرِّف؛ أي: طُيِّب، كذا في «عمدة القاري».

(حتى إذا كان) أي: النبي الأعظم عليه السلام (بالشِّعْب)؛ بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة: الطريق في الجبل المعهود للحاج، و (حتى) : ابتدائية أو حرف جر، والباء في (بالشِّعب) : ظرفية، و (إذا) : ظرفية محلها الجر بـ (حتى) الجارة، وعلى الأول فموضعها النصب، والعامل فيه قوله: (نزل)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام عن دابته، (فبال ثم توضأ)؛ أي: بماء زمزم، كما أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في «زوائد مسند أبيه» بسند حسن من حديث علي، وفيه رَدٌّ على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب؛ فافهم.

(ولم يسبغ الوضوء)؛ أي: خففه؛ لما في «مسلم» : (فتوضأ وضوءًا خفيفًا)، أو معناه: توضأ مرة مرة بالإسباغ، أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عاداته، وما قيل: إنَّ معناه: الوضوء اللغوي؛ فبعيد، وأبعد منه ما قيل: إنَّه الاستنجاء؛ لما يأتي عند المؤلف في باب (الرجل يوضئ صاحبه) من قوله: (فجعلت أصب الماء عليه ويتوضأ)؛ لأنَّه لا يجوز أن يصب عليه أسامة إلَّا وضوء الصلاة، وفي آخره قال أسامة: (الصلاة يا رسول الله)، وإنَّما لم يسبغ الوضوء؛ إما ليذكر الله؛ لأنَّهم يكثرون منه عشية الدفع من عرفة، أو لإعجاله الدفع إلى المزدلفة، أو لاستصحابه الطهارة في طريقه، وتمامه في «عمدة القاري».

(فقلت: الصلاةَ)؛ بالنصب على الإغراء، أو على تقدير: أتريد الصلاة؟ ويؤيده رواية تأتي: (فقلت: أتصلي يا رسول الله؟)؛ يعني: أتريد الصلاة؟ والأَولى أن يقدر: تصلي الصلاة (يا رسول الله) : ويجوز فيه الرفع على تقدير: حانت الصلاة أو حضرت.

(فقال) وفي رواية: (قال) : (الصلاةَ)؛ بالرفع على الابتداء، وخبره قوله: (أَمامَك)؛ بفتح الهمزة؛ أي: قدامك؛ لأنَّه منصوب على الظرفية؛ والمعنى: وقت الصلاة أمامك أو مكان الصلاة، فيكون من قبيل ذكر الحال وإرادة المحل، وهو أعم من كونه في المكان أو الزمان، ومراده أنَّ سنة الصلاة لمن دفع من عرفة أن يصلي العشاءين بالمزدلفة، ولم يعلم أسامة ذلك؛ إذ كان في حجة الوداع، وهي أول سُنَّة سَنَّها عليه السلام في الجمع بين الصلاتين في المزدلفة.

ففيه: مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة؛ لأنَّه عليه السلام لم يقيد بذلك الوضوء، وقيل: المراد أنَّ موضع هذه الصلاة المزدلفة وهي أمامك، وهذا تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس ببيان فعله عليه السلام.

وفيه: دليل على أنَّه لا يصليها الحاج إذا أفاض من عرفة حتى يبلغها، وأنَّ عليه أن يجمع بينها وبين العشاء بجمع على ما سنه عليه السلام بفعله وبيَّنه بقوله، ولو أجزأته في غير المكان؛ لما أخَّرها عن وقتها الموقَّت لها في سائر الأيام، وما زعمه الكرماني رده في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(فركب) أي: النبي الأعظم عليه السلام دابته من الشِّعب وسار (فلمَّا جاء المُزدلفةَ)؛ بضم الميم، من الإزدلاف؛ وهو التقرب والاجتماع، وهي بالنصب على المفعولية، وهي موضع مخصوص بين عرفات ومنًى، سمِّيت بها؛ لأنَّ الحجاج يزدلفون فيها إلى الله تعالى؛ أي: يتقربون بالوقوف فيها إليه، وتسمى أيضًا: جمعًا؛ لأنَّ آدم اجتمع فيها على حواء عليهما السلام وازدلف إليها؛ أي: دنا منها، وتمامه في

<<  <   >  >>