للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(حدثنا خالد بن مَخْلد)؛ بفتح الميم وسكون الخاء: أبو الهيثم القَطَواني؛ بفتح القاف والطاء؛ نسبة لموضع بالكوفة، البجلي مولاهم، الكوفي، تُكُلِّم فيه، وقال ابن عدي: لا بأس به، المتوفى في المحرم سنة ثلاث عشرة ومئتينقال: (حدثنا سليمان) بن بلال أبو محمد التيمي القرشي المدني، الفقيه المشهور، وكان بربريًا حسنَ الهيئة، توفي سنة اثنتين وسبعين ومئة في خلافة هارون الرشيد بالمدينةقال: (حدثنا عبد الله بن دينار) القرشي العدوي المدني، (عن) عبد الله (ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إن من الشجر) أي: من جنسه (شجرةً) بالنصب، وزاد المؤلف: (قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فقال: كنا عند النبي عليه السلام فأُتي بجمارة، فقال: إنَّ من الشجر شجرة لا يسقط ورقها) صفة لـ (شجرة) مختصَّة بها دون غيرها، وفي رواية زيادة: (ولا يتحات)، (وإنَّها)؛ بكسر الهمزة، (مِثْل)؛ بكسر الأول وسكون الثاني، وبفتحهما؛ على ما مرَّ؛ أي: شِبْه (المسلم)، وفي رواية: «مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات» (حدِّثوني) بدون فاء؛ أي: إن عرفتموها؛ حدثوني (ما هي؟) مبتدأ وخبر (فوقع الناس في شجر البوادي)؛ أي: ذهبت أفكارهم إليها دون النخلة، (قال) عبد الله بن عمر: (فوقع في نفسي)؛ بالفاء، وفي السابقة بالواو، وفي رواية: (فألقى الله في روعي) (أنها النخلة)، وفي رواية: (بينا نحن عند النبي عليه السلام جلوس؛ إذ أُتي بجمار نخلة، فقال عليه السلام: «إنَّ مِنَ الشجر لَمَا بركتُه كبركة المسلم»، فظننتُ أنَّه يعني النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة يا رسول الله، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم، فسكتُّ)، وفي رواية: (فاستحييت).

(ثم قالوا: حدِّثنا) المراد منه الطلب والسؤال (ما هي يا رسول الله؟)، وفي رواية: (قال: كنا عند رسول الله عليه السلام ذات يوم، فقال: «إنَّ مثل المؤمن كمثل شجرة لا يسقط لها أنملة (١) أتدرون ما هي؟» قالوا: لا. قال: هي النخلة)، زاد في هذه الرواية: «لا يسقط لها أنملة ولا يسقط لمؤمن دعوة»، ووجه الشبه بين النخلة والمسلم؛ من حيث عدم سقوط الورق وعدم سقوط الدعوة، والبركة في كل منهما في جميع الأجزاء.

وفي الحديث استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه؛ ليختبر أفهامهم، وفيه توقير الكبار وترك التكلم عندهم، واستحباب الحياء ما لم يؤدي إلى تفويت المصلحة، وفيه جواز اللغز مع بيانه، وما رواه أبو داود عن النبي عليه السلام: أنه نهى عن الأغلوطات -أي: صعاب المسائل- محمول على ما إذا خرج على سبيل تعنت المسؤول، أو تعجيزه، أو تخجيله، وفيه جواز طلب الأمثال، وفيه أن التشبيه لا عموم له، وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه مَن هو دونه.

وفيه دلالة على فضيلة النخل، قال المفسرون: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً} لا إله إلا الله {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} هي النخلة {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} في الأرض {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}؛ أي: رأسها {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ [حِينٍ]} [إبراهيم: ٢٤ - ٢٥] وقت، فشبه الله الإيمان بالنخلة؛ لثبات الإيمان في قلب المؤمن كثبات النخلة في منبتها، وشبه ارتفاع عمله بارتفاع فروعها، وما يكتسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل وقت وزمان بما ينال من ثمرة النخلة في أوقات السنة كلها من الرطب والثمر، وقد ورد ذلك صريحًا فيما رواه البزار عن ابن عمر قال: قرأ رسول الله عليه السلام فذكر هذه الآية، فقال: «أتدرون ما هي؟» قال ابن عمر: لم يَخْفَ عليَّ أنَّها النخلة، فمنعني أن أتكلَّم؛ لمكان سِنِّي، فقال عليه السلام: «هي النخلة»، وروي في حديث مرفوع لكنه لم يثبت: أنَّ النخلة خلقت من بقية طينة آدم عليه السلام، فهي كالعمَّة للأناسيِّ، والله تعالى أعلم.

(٦) [باب ما جاء في العلم وقوله تعالى {وقل رب زدنى علمًا}]

(باب ما جاء في العلم وقول الله تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}) [طه: ١١٤]؛ أي: سل الله زيادة، وهذا ساقط في أكثر الروايات، ثابت في رواية.

هذا (باب) في بيان حكم (القراءة والعرض على المحدِّث) متعلِّق بهما على التنازع؛ أي: بأن يقرأ عليه الطالب من حفظه أو كتاب، أو يسمعه عليه بقراءة غيره من كتابٍ أو حفظٍ، والمحدِّثُ حافظٌ للمقروء أو غيرُ حافظ مع تتبُّع أصلِه بنفسه أو ثقة ضابط غيره، واحترز به عن عرض المناولة؛ وهو العاري عن القراءة، وذلك بأنْ يعرض الطالب مرويَّ شيخه اليقظ العارف عليه، فيتأمَّله الشيخ، ثم يعيده عليه ويأذن له في روايته عنه.

(ورأى الحسن) البصري (وسفيان) الثوري (ومالك) بن أنس الإمام (القراءة) على المحدِّث (جائزة) في صحة النقل عنه، وادَّعى القاضي عياض عدم الخلاف في صحة الرواية بها، وروى الحاكم من طريق مطرِّف قال: صحبت مالكًا سبع عشرة سنة، فما رأيتُه قرأ «الموطأ» على أحد؛ بل يقرؤون عليه، وسمعتُه يأبى أشدَّ الإباء على مَن يقول: لا يجزئه إلَّا السماع من لفظ الشيخ، ويقول: كيف لا يجزئك هذا في الحديث ويجزئك في القرآن، والقرآن أعظم؟!

(قال أبو عبد الله) أي: المؤلف: (سمعت أبا عاصم) النبيل (يذكر عن سفيان) الثوري (ومالك) الإمام (أنهما كانا يريان القراءة والسماع جائزًا)، وفي رواية: (جائزة)؛ أي: القراءة؛ لأنَّ السماع لا نزاع فيه، وفي رواية: (حدثنا عُبيد الله بن موسى)؛ بضم العين، (عن سفيان) الثوري (قال: إذا قُرئ) على المحدِّث؛ (فلا بأس أن يقول: حدَّثَني) بالإفراد (وسمعتُ) منه، فالقراءة والسماع سواء.

(واحتجَّ بعضُهم)؛ هو الحميدي شيخ المؤلف (في القراءة على العالم)؛ أي: في صحة النقل عنه (بحديث ضِمام بن ثعلبة)؛ بكسر الضاد المعجمة، وثعلبة؛ بالمثلثة، ثم المهملة، وبعدَ اللام موحدة، وفي رواية: أنَّه (قال للنبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: آللهُ)؛ بهمزة الاستفهام مبتدأ خبره قوله: (أمرك أن)؛ أي: بأنْ (تصلي) بالمثناة الفوقية، وفي رواية: بنون الجمع (الصلوات؟)، وفي رواية: بالإفراد، (قال) عليه السلام: (نعم) أمرنا أن نصلي، (قال) الحميدي: (فهذه قراءة على النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وفي رواية: (فهذه قراءة على العالم)؛ (أخبر ضِمام قومه بذلك، فأجازوه)؛ أي: قبلوه منه، وليس المراد الإجازة المصطلحة عليها بين أهل الحديث، لا يقال: إجازة قومه لا حجة فيه؛ لأنَّهم كفرة؛ لأنا نقول: المراد الإجازة بعد الإسلام، أو لأنَّ فيهم مسلمون يومئذ.

فإن قلتَ: قولُه: (أخبر قومه بذلك) ليس في الحديث الذي ساقه المؤلف هنا، فكيف يحتجُّ به؟ قلت: لم يقع في هذا الطريق، وإنما وقع في طريق آخر ذكرها أحمد وغيره من طريق أبي إسحاق قال: حدثني محمد بن الوليد، عن كُريب، عن ابن عباس قال: بعث [بنو] سعد بن بكر (٢) ضِمامَ بن ثعلبة... فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: [أنَّ] ضِمامًا قال لقومه عندما رجع إليهم: إنَّ الله قد بعث رسولًا، وأنزل عليه كتابًا، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، قال: فوالله ما أمسى في ذلك اليوم وفي حاضريهم رجل ولا امرأة إلا مسلمًا.

(واحتج مالك) الإمام (بالصَّكِّ)؛ بفتح المهملة وتشديد الكاف: الكتاب، فارسي معرب، جمعه: أصك وصكاك، والمراد به: المكتوب الذي يكتب فيه إقرار المقر (يُقرأ على القوم)؛ بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول، (فيقولون)؛ أي: الشاهدون لا القوم؛ لأنَّ المراد منهم من يعطي الصك؛ وهم المقرُّون بالديون أو غيرها، فلا يصح لهم أن يقولوا. قسطلاني: (أشهدَنَا فلانٌ) بالتنوين (ويقرأ ذلك قراءة عليهم)، وفي رواية: (وإنما ذلك قراءة عليهم)، فتسوغ الشهادة عليهم بقولهم: نعم، بعد قراءة المكتوب عليهم، مع عدم تلفظهم بما هو مكتوب، وهذه حجة؛ لأنَّ الإشهاد أقوى حالات الإخبار، (ويُقرَأ) بضم أوله مبنيًّا للمفعول أيضًا (على المقرئ) المعلم للقرآن، (فيقول القارئ) عليه: (أقرأني فلانٌ) بالتنوين.

وقاس مالك قراءة الحديث على قراءة القرآن، فروى الخطيب البغدادي من طريق ابن وهب قال: سمعت مالكًا، وسئل عن الكتب التي تعرض عليه: أيقول الرجل: حدثني؟ قال: نعم، كذلك القرآن، أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول: أقرأني فلان، فكذلك إذا قرأ على العالم؛ صح أن يروي عنه، كذا في «عمدة القاري».

وبه قال: (حدثنا محمد بن سلَام)؛ بتخفيف اللام، البيكندي (قال: حدثنا محمد بن الحسن)؛ بفتح الحاء المهملة، ابن عمران (الواسطي) قاضي واسط، المتوفى سنة تسع وثمانين ومئة، وليس له في «البخاري» غير هذا، (عن عَوف)؛ بفتح العين آخره فاء، هو ابن أبي جميلة المعروف بالأعرابي، (عن الحسن) هو البصري (قال: لا بأس)؛ أي: في صحة النقل عن المحدث (بالقراءة على العالم)؛ أي: الشيخ، متعلق بالقراءة، لا خبر لقوله: (لا بأس)؛ فليحفظ.

وهذا الأثر رواه الخطيب بأتمَّ سياقًا منه من طريق أحمد ابن حنبل، عن محمد بن الحسن الواسطي، عن عوف الأعرابي: أن رجلًا سأل الحسن فقال: يا أبا سعيد؛ منزلي بعيد والاختلافُ يشقُّ عليَّ، فإن لم تكن ترى بأسًا؛ قرأت عليك، قال: ما أبالي قرأتُ عليك أو قرأتَ عليَّ، قال: فأقول: حدَّثني الحسن؟ قال: نعم؛ حدَّثني الحسن، كذا في «عمدة القاري».

وبه قال: (حدثنا عُبيد الله)؛ بضم العين، وفتح الموحدة، مصغرًا (ابن موسى) بن باذام العبسي؛ بالمهملتين، (عن سفيان) الثوري أنَّه (قال: إذا قُرِئ)؛ بضم القاف، وكسر الراء، وفي رواية: (إذا قرأت)، وفي أخرى: (إذا قرأ) (على المحدِّث؛ فلا بأس) على القارئ (أن يقول: حدَّثني) كما جاز أن يقول: أخبرني، فهو مشعرٌ بأنَّه لا تفاوت عنده بين (حدثني) و (أخبرني)، وبين أن يقرأ على الشيخ أو يقرأ الشيخ عليه، كذا في «عمدة القاري».

(قال) أي: المؤلف: (وسمعت)، وفي رواية: (قال أبو عبد الله: سمعت) بغير واو (أبا عاصم)؛ هو الضحَّاك بن مَخْلد؛ بفتح الميم، الشيباني البصري، المشهور بالنَّبِيل؛ بفتح النون، وكسر الموحدة، وسكون المثناة التحتية، آخره لام، لقب به؛ لأنَّه كان يلازم الإمام زفر، وكان حسنَ الحال في كسوته، فجاء النبيل يومًا إلى بابه، فقال الخادم


(١) في الأصل: (أبلمة)، وكذا في الموضع السابق.
(٢) زيد في الأصل: (بن)، ولا يصح.

<<  <   >  >>