للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قاله إمام الشَّارحين، وتبعه الشراح.

قلت: والظاهر أن يقال بها؛ أي: بالخيل التي لم تضمر؛ لأنَّها أقرب مذكور؛ فافهم، يجوز أن يكون مقول ابن عمر بطريق الحكاية عن نفسه باسمه على لفظ الغيبة، كما تقول عن نفسك: العبد فعل كذا، ويجوز أن يكون مقول نافع، انتهى.

قلت: والظاهر الثاني، فإن المسابقة على الخيل التي لم تضمر يدل على قوة راكبها وشجاعته، ولهذا كان عليه السَّلام يسابق على الخيل التي لم تضمر وعلى التي أضمرت، وإن المسابقة على التي أضمرت يدل على قوة نفس الخيل وشدتها، فالمسابقة على التي لم تضمر أبلغ وأشد في القوة والشجاعة، فإن الدابة قوية بقوة راكبها؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: دليل على جواز المسابقة بين الخيول، وجواز تضميرها وتمرينها على الجري، وإعدائها لذلك؛ لينتفع بها عند الحاجة في القتال كرًّا وفرًّا، وهذا بالإجماع، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...}؛ الآية [الأنفال: ٦٠]، وكان الجاهلية يفعلونها، فأقرها الإسلام، ولا يختص جوازها بالخيل خلافًا لقوم، والحديث محمول على ما إذا كان بغير رهان، والفقهاء شرطوا فيها شروطًا، منها: جواز الرهان من جانب واحد، وأمَّا من الجانبين؛ فقمار إلا بمحلل، وقد علم في موضعه، وليس في الحديث دلالة على جواز ذلك، ولا على منعه، وفيه: تجويع البهائم على وجه الصلاح، وليس من باب التعذيب، وفيه: بيان الغاية مقدار أمدها، وفيه: جواز إضافة المسجد إلى بانيه أو إلى مصلٍّ فيه، كما ذكرناه، وكذلك يجوز إضافة أعمال البر إلى أربابها، ونسبتها إليهم، وليس في ذلك تزكية لهم) انتهى.

(٤٢) [باب القسمة وتعليق القنو في المسجد]

هذا (باب) حكم (القِسمة)؛ بكسر القاف؛ أي: للشيء (وتعليق القِنْو)؛ بكسر القاف، وسكون النون، بالجر؛ عطفًا على (القسمة) (في المسجد)؛ الألف واللام فيه للجنس، فيشمل كل مسجد، والجار والمجرور متعلق بـ (القسمة)، وزعم القسطلاني أنه يتعلق بكل من (القسمة) و (تعليق).

قلت: والأول هو الأظهر، وهو الذي اختاره إمام الشَّارحين؛ لأنَّه موافق للمعنى بخلاف ما زعمه؛ فافهم.

والقسمة في المسجد جائزة؛ لأنَّه عليه السَّلام قد فعلها، كما في حديث الباب، والمناسبة بين هذه الأبواب ظاهرة؛ لأنَّها في أحكام تتعلق بالمساجد؛ فافهم.

(قال أبو عبد الله) هو المؤلف نفسه: (القِنْو) بكسر القاف، وسكون النون: (العِذْق)؛ بكسر العين المهملة، وسكون الذال المعجمة: هو كالعنقود للعنب، والعَذق -بفتح العين المهملة-: النخلة، وقال ابن سيده: (القنو والقنا: الكِباسة بشماريخه وبسره، والقنا -بالفتح- لغة فيه، والجمع في كل ذلك: أقناء، وقنوان، وقنيان)، وفي «الجامع» : (في القنوان لغتان: كسر القاف وضمها، وكل العرب تقول: قِنو وقُنو في الواحد) انتهى.

قلت: وعلى هذا؛ فتفسير المؤلف فيه نظر.

(والاثنان قِنوان) : على وزن (فِعلان)؛ بكسر الفاء والنون، (والجماعة أيضًا)؛ مصدر: آض؛ بمعنى: رجع (قنوان)؛ بالرفع والتنوين، على وزن (فعلان) أيضًا، ويفرق بين التثنية والجمع بسقوط النون في التثنية عند الإضافة، وبثبوتها في الجمع، وبكسرها في التثنية، وإعرابها في الجمع؛ (مثل: صنو وصنوان)؛ يعني: في الحركات والسكنات، وفي التثنية والجمع، والصاد المهملة فيها مكسورة، والصنو: هو النخلتان أو ثلاث، يخرج من أصل واحد، وكل واحدة منهن: صنو، والاثنان: صنِوان؛ بكسر النون، والجمع: صنوان بإعرابها، والمؤلف لم يذكر جمعه؛ لظهوره من الأول، وهذا التفسير من قوله: (قال أبو عبد الله) إلى ههنا ثابت عند أبي ذر، وابن عساكر، وأبي الوقت، ساقط عند غيرهم؛ فافهم.

[حديث: أُتي النبي بمال من البحرين فقال: انثروه في المسجد]

٤٢١ - (وقال إبراهيم؛ يعني: ابن طَهْمان)؛ بفتح الطاء المهملة، وسكون الهاء؛ هو ابن شعبة أبو سعيد الخراساني، المتوفى بمكة سنة ثلاث وستين ومئة، وسقط اسم أبيه في رواية الأربعة، وإثباته هو الأصح، كما قاله إمام الشَّارحين؛ ليزول الاشتباه، قال الحافظ المزي: (هكذا هو في «البخاري» غير منسوب، وذكره أبو مسعود الدمشقي وخلف الواسطي في ترجمة: عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وكذلك رواه عمر بن محمد بن بُجَير؛ بضمِّ الموحدة، وفتح الجيم، ونسبه عمر إلى جده البجري في «صحيحه» من رواية: إبراهيم بن طهمان، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، وقيل: إنه عبد العزيز بن رفيع، وقد روى أبو عوانة في «صحيحه» حديثًا من رواية: إبراهيم بن طهمان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أنس: «تسحروا، فإنَّ في السحور بركة»، وروى أبو داود والنسائي حديثًا من رواية: إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع، عن عبيد بن عمير، عن عائشة حديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث...»؛ الحديث، فيحتمل أن يكون هذا، ويحتمل أن يكون هذا، والله أعلم أيهما هو) انتهى.

وقد اعترضه ابن حجر، فزعم أن قول المزي: (وقيل: إنه عبد العزيز بن رفيع) ليس بشيء.

ورده إمام الشَّارحين فقال: (قوله: «ليس بشيء» يرجع إلى صاحب هذا القيل؛ لأنَّ المزي قال بالاحتمال، كما ذكرنا) انتهى.

قلت: بل مراد ابن حجر الغمز على المزي بذكره هذا القيل، وغمزه مردود عليه، فإن الرواة الأربعة قد أسقطوا ذكر أبيه، فاختلف فيه، وإن كان الأصح أنه ابن طهمان، فلا اعتراض على المزي في ذكره؛ لوجود الاشتباه، على أنه لم يجزم، بل قال بالاحتمال، وظاهر كلامه: اعتماد أنه ابن طهمان؛ لأنَّه قد قواه بالنقول، وذكره معتمدًا عليه، ثم ذكر القول الثاني بصيغة التمريض، وهو يدل على ضعفه، كما لا يخفى، وقال الإسماعيلي: (ذكره البخاري عن إبراهيم، وهو ابن طهمان فيما أحسب بغير إسناد؛ يعني: تعليقًا).

قال إمام الشَّارحين: ثم إنَّ هذا المعلق وصله أبو نعيم الحافظ: حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي: حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد: حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله بن راشد: حدثني أبي: حدثني إبراهيم بن إبراهيم، (عن عبد العزيز بن صُهَيب)؛ بضمِّ

<<  <   >  >>