للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

امرأة من نسائه) : الطاهرات رضي الله عنهنَّ، والمراد بالمباشرة: أن يمسَّ الجلد الجلد، وليس المراد به: الجماع إجماعًا، كما قدمناه؛ (أمرها)؛ أي: بالاتَّزار (فاتَّزرت) : فيه حذف؛ تقديره: فامتثلت الأمر فاتَّزرت، وقدَّمنا أن اللغة الفصحى: (فأْتزرت)؛ بالهمزة بدون إدغام، قيل: وهو الرواية هنا؛ فتأمل، (وهي حائض) : جملة حالية، قال الكرماني: (يحتمل أن تكون من مفعول «يباشر»، أو من مفعول «أمر»، أو من فاعل «اتزرت») انتهى، قلت: والوجه الأول هو الظاهر وهو الوجه الصحيح، وعليه القسطلاني، والوجهان الآخران لا وجه لهما، كما لا يخفى؛ فافهم، وهذا الحديث أخرجه مسلم، وأبو داود؛ كلاهما عن الشيباني به، وأخرجه ابن ماجه بسند صحيح من حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: (كانت إحدانا في فورها أول ما تحيض تشد عليها إزارًا إلى أنصاف فخذها، ثم تضطجع معه صلَّى الله عليه وسلَّم)، وأخرجه أبو يعلى الموصلي من حديث عمر رضي الله عنه: (له ما فوق الإزار، وليس له ما تحته)، وفي لفظ: (ولا يطلعن إلى تحته حتى يطهرن)، وأخرج أبو داود بسند صحيح عن بعض أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (أنه كان إذا أراد من الحائض شيئًا؛ ألقى على فرجها ثوبًا)، وأخرج أبو داود أيضًا بسند جيد عن أم سَلَمَة: (أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يباشرها وعلى قبلها ثوب)؛ يعني: وهي حائض، وأخرج أبو داود أيضًا من حديث معاذ وعبد الله بن سعد: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: «ما فوق الإزار»، وفي حديث معاذ: (والتعفف عن ذلك أجمل)، وأخرج عبد الله بن وهب بسند صحيح من حديث كريب قال: سمعت أم المؤمنين تقول: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب)، وأخرج الدارمي في «مسنده» من حديث أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل: قالت أم المؤمنين: (كنت أتَّزر وأنا حائض [وأدخل مع النبي في لحافه)، وإسناده صحيح، وفي «الموطأ» عن زيد بن أسلم: سأل رجل النبي: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟] (١) قال: «لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها»، قال أبو عمر (٢) : ولا أعلم أحدًا روى هذا الحديث مسندًا بهذا اللفظ، كذا في «عمدة القاري».

(رواه)؛ يعني: روى هذا الحديث، وللأصيلي وكريمة: (ورواه) (سفيان) : يحتمل أنه الثوري، ويحتمل أنه ابن عيينة، ولا بأس بالإبهام؛ لأنَّ كلًّا منهما على شرط البخاري، كذا قاله الكرماني، وزعم ابن حجر أنه الثوري على القطع، قلت: وهو فاسد، والظاهر أنه ابن عيينة، ويدل عليه قول صاحب «التلويح» : (كأن البخاري يريد بمتابعة سفيان هذا المعنى لا القطع، وذلك أن أبا داود قال: حدثنا محمَّد بن الصَّبَّاح، عن سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق الشيباني: سمع عبد الله بن شداد عن ميمونة: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم... ؛ الحديث)، قلت: فهذا يعين أنه ابن عيينة، ورواه أحمد عن الثوري من طريق أخرى غير هذا، فلا دليل فيه لما زعمه ابن حجر، فإنه يقطع ولا يدري من أين دليل القطع، (عن الشيباني)؛ هو أبو إسحاق المذكور، ورواه عنه أيضًا بهذا الإسناد خالد بن عبد الله عند مسلم، وجرير بن عبد الحميد عند الإسماعيلي، وأسباط بن محمَّد عند أبي عوانة في «صحيحه»، قلت: وهذا أيضًا يعين ما قلناه؛ فافهم، وإنما قال: (رواه) ولم يقل: تابعه؛ لأنَّ الرواية أعم من المتابعة، فلعله لم يروها متابعة، كذا في «عمدة القاري»، والله الهادي وعليه اعتمادي.

(٦) [باب ترك الحايض الصوم]

هذا (باب) بيان (ترك الحائض) ومثلها النفساء (الصوم) في أيام حيضها أو نفاسها، قال في «عمدة القاري» : (وجه المناسبة بينهما من حيث أن كلًّا منهما يشتمل على حكم من أحكام الحيض.

فإن قلت: الحائض تترك الصَّلاة [أيضًا، فما وجه ذكر الصوم في تركها دون الصلاة مع أنهما مذكوران في حديث الباب؟] (٣).

قلت (٤) : [تركها الصلاة] (٥) لعدم وجود شرطها وهي الطهارة، فكانت ملجأة (٦) إلى ذلك بخلاف الصوم، فإن الطهارة ليست بشرط، وكان تركها إياه (٧) من باب التعبد، وأيضًا فإن تركها للصلاة لا إلى خلف، بخلاف الصوم فإنه إلى خلف وهو القضاء، فخص الصوم بالذكر دون الصَّلاة؛ إشعارًا لما ذكرناه) انتهى.

[حديث: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار]

٣٠٤ - وبالسَّند إليه قال: (حدثنا سَعِيد بن أبي مريم) : هو سَعِيد بن الحكم بن محمَّد بن سالم، المعروف بابن أبي مريم الجمحي المصري، (قال: حدثنا) : وفي رواية: (أخبرنا) (محمَّد بن جعفر) : هو ابن أبي كثير -بفتح الكاف، وبالمثلثة- الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد هو ابن أسلم)؛ بلفظ الماضي، أبو أسامة المدني، وسقط (هو ابن أسلم) للأصيلي وابن عساكر، وهي ثابتة لغيرهما، وأشار إلى أنه تعريف له من تلقاء نفسه، وليس من كلام شيخه، (عن عِياض) بكسر العين المهملة (بن عبد الله) : هو ابن أبي سرح العامري، ولأبيه صحبة، (عن أبي سَعِيد الخدري) : واسمه سعد بن مالك رضي الله عنه (قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ يعني: خرج إما من بيته، أو من مسجده، كذا قاله في «عمدة القاري»، قلت: والظاهر الثاني؛ لأنَّه عليه السلام كان يصلي الفجر في مسجده وقت الإسفار كما قال: «أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر»، وهذه عادته، وكان يقعد في مصلَّاه حتى ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين، ثم يخرج من المسجد يريد صلاة العيد في المصلى، وهذا من عادته عليه السلام؛ فليحفظ، فتأمل، (في) يوم عيد (أَضْحى)؛ بفتح الهمزة، وسكون الضاد المعجمة، جمع أضحاة، والأضحية: شاة تذبح يوم الأضحى، وفيها أربع لغات: ضم الهمزة وكسرها، وأضحية كما ذكرناها ضبطًا، وضَحيَّة؛ بفتح الضاد المعجمة، وتشديد التحتية، والجمع أضحاة وأضحى، وبها سمي يوم الأضحى، والأضحى يذكر ويؤنث، وقيل: سميت بذلك؛ لأنَّها تفعل في الأضحى؛ وهو ارتفاع النهار، كذا في «عمدة القاري»، (أو) في يوم عيد (فطر)؛ أي: عقب رمضان، والشك من الراوي، وزعم الكرماني أن الشك من أبي سَعِيد، ورده صاحب «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: لا يتعين ذلك) انتهى، أي: بل الشك من الراوي أي كان، وهو الظاهر؛ فافهم، (إلى المصلى) : متعلق بقوله: (خرج) وهو موضع صلاة العيدين وصلاة الجنازة قرب الجبانة، وإنما أعده عليه السلام لذلك؛ لتنزيه المسجد عن الكلام المباح فيه حال الاجتماع فيه من المعايدة حين لقاء الناس بعضهم بعضًا، ولتنزيهه أيضًا عن الجنازة؛ لاحتمال خروج شيء من الميت إلى المسجد، ولهذا قال الإمام الأعظم رأس المجتهدين: إن صلاة الجنازة بالمسجد مكروهة؛ لأنَّ النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم قد أعد لها المصلَّى، وقال: «من صلى على جنازة في مسجد؛ فلا أجر له»، وفي رواية: «فلا ثواب له»، وهذا حجة على من منع الكراهة في المسجد، وسيأتي تمامه في (الجنائز) إن شاء الله تعالى؛ فافهم، والله أعلم.

(فمر) عليه السلام (على النساء)؛ لأنَّه يجوز خروجهن أيام العيد إلى المصلى للصلاة مع الناس كما يأتي، (فقال) : يحتمل أنه عليه السلام قال ذلك لهن حال مروره إلى المصلى للصلاة؛ لأنَّهن لمَّا رأين النبي عليه السلام خارجًا إلى المصلى؛ وقفن حتى يمر عليه السلام، فلما رآهنَّ؛ قال لهن ذلك، فيكون الوعظ لهنَّ فقط، ويحتمل التعميم، ويحتمل أنَّه عليه السلام وعظ الناس وأمرهم بالصدقة بعد الصَّلاة، ثمَّ التفت إلى النساء، والظاهر الأول؛ يدل عليه قوله: (فمر)؛ بالفاء التعقيبية، فإنه يفيد أن قوله ذلك كان بعد خروجه قبل الصَّلاة؛ فتأمل: (يا معشر النساء) : المعشر: الجماعة متخالطين كانوا أو غير ذلك، وقال الأزهري: أخبرني المُنْذِر عن أحمد بن يحيى قال: (المعشر، والنفر، والقوم، والرهط؛ هؤلاء معناهم الجمع، لا واحد لهم من لفظهم للرجال دون النساء)، وقال الليث: (المعشر: كل جماعة أمرهم واحد)، وهذا هو الظاهر، وقول (٨) أحمد بن يحيى مردود (٩) بالحديث وجمع على معاشر، انتهىكذا في «عمدة القاري».

قلت: وهذا يرد


(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل، وهو مثبت من «عمدة القاري».
(٢) في الأصل: (عمرو)، وليس بصحيح.
(٣) ما بين معقوفين سقط من الأصل، وهو مثبت من «عمدة القاري».
(٤) (قلت) : جاء في الأصل لاحقًا بعد قوله: (ليست بشرط).
(٥) ما بين معقوفين سقط من الأصل، وهو مثبت من «عمدة القاري».
(٦) في الأصل: (ملجأ)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٧) في الأصل: (إياها)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٨) في الأصل: (قال)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٩) في الأصل: (مورود)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>