للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بينهما واو ساكنة، قبلها حاء مهملة ساكنة، أوله ميم مفتوحة؛ هو أبو عبد الله البصري، قيل: محبوب لقب، واسمه الحسن، مات سنة ثلاث وعشرين ومئتين، (قال: حدثنا عبد الواحد) : هو ابن زياد- بكسر الزاي- البصري (قال: حدثنا الأعمش) : هو سليمان بن مهران، (عن سالم)؛ بالسين المهملة (بن أبي الجَعْد)؛ بفتح الجيم، وسكون العين المهملة، آخره دال مهملة، (عن كُريب) بضمِّ الكاف (مولى ابن عباس) رضي الله عنهما، (عن ابن عباس) : هو عبد الله رضي الله عنهما (قال: قالت مَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية: بنت الحارث زوج النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وخالة ابن عباس رضي الله عنهما: (وضعت للنبيِّ) الأعظم، وفي رواية: (لرسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم) وقد تقدم هذا المتن من رواية موسى بن إسماعيل عنه في باب (الغسل مرة واحدة)، غير أنَّ في بعض ألفاظها اختلافًا، كما ترى (ماء يغتسل به) وهناك: (ماء للغُسل)؛ أي: من الجنابة، (فأفرغ على يديه، فغسلهما)، وهناك: (فغسل يديه) (مرتين) بلا تكرار (مرتين)، وفي رواية بتكرار (مرتين)، (أو ثلاثًا) الظاهر أنَّ الشك من ميمونة، ويحتمل غيرها، (ثم أفرغ)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (بيمينه على شماله) وهناك: (ثم أفرغ على شماله)، (فغسل مذاكيره)؛ أي: القبل والدبر، وما حولهما، (ثم دلك يده بالأرض) وهناك: (ثم سمح يده بالأرض)؛ أي: لما لزق فيها من المني للزاجته، (ثم تَمضمض)؛ بالمثناة الفوقية أوله، وفي رواية بحذفها (واستنشق)؛ لأنَّهما من تمام غسل البدن، (ثم غسل وجهه)؛ أي: ولحيته الشريفة، (ويديه) الشريفتين، (وغسل) وهناك: (ثم غسل) (رأسه)؛ أي: وشعره إلى أن بلغ الماء أصوله (ثلاثًا) الظاهر: رجوعه إلى هذه الجملة الأخيرة فقط؛ لأنَّ القاعدة الأصولية في مذهب الأئمَّة الحنفية أنَّ القيد إذا تأخر عن جمل؛ يختص بالمتأخر منها، ويحتمل على بُعْدٍ رجوعُه لجميع الأفعال السابقة؛ بناء على ما زعمه الشافعية من أنَّ القيد إذا تأخر عن جمل؛ يعود على الكل وإن كان خلاف الظاهر، وإن استظهره الكرماني وغيره ترويجًا لما ذهب إليه إمامهم؛ فليحفظ، (ثم أفرغ) عليه السلام من الإفراغ؛ أي: صب الماء (على جسده) وهناك: (ثم أفاض على جسده)؛ أي: كله مرة واحدة، كما هو الظاهر، (ثم تنحَّى)؛ بالمثناة الفوقية، بعدها نون، بعدها حاء مهملة؛ أي: تباعد (من مَقامه)؛ بفتح الميم أولى: اسم مكان، وأصله مكان القيام، فيحتمل أنَّه عليه السلام اغتسل قائمًا، ويحتمل قاعدًا؛ لأنَّه اشتهر بعرف الاستعمال أنَّه لمطلق المكان قائمًا كان أو قاعدًا فيه، والظاهر الأول؛ فليحفظ، (فغسل قدميه)؛ أي: رجليه، وهناك: (ثم تحول عن مكانه)؛ أي: إلى مكان آخر فغسلهما فيه؛ تحرزًا عن الماء المستعمل.

ومطابقة الحديث للترجمة في تفريق غسل أعضائه بإفراغ الماء على جسده والتنحي عن مقامه.

فإن قلت: هذا تفريق الغُسل، فأين ما يدل على تفريق الوضوء؟

قلت: دل على تفريقه ذكر ميمونة صفة وضوئه عليه السلام بكلمة (ثم) التي تدل على التراخي مطلقًا، انتهى؛ أي: أنَّ التنحي يعم القريب والبعيد، والمراد به هنا: البعيد؛ لدلالة (ثم) على التراخي؛ فليحفظ.

وفي الحديث: أنَّ المضمضة والاستنشاق في الغسل فرضان، وأنَّ الماء المستعمل نجس، وفيه: الإفراغ باليمين على الشمال وعكسه، وفيه: خدمة الأزواج، وفيه: استحباب تهيئة ماء الاغتسال، وفيه: عدم وجوب الموالاة في الوضوء والغسل، وبقية المباحث تقدمت هناك.

(١١) [باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغُسل]

هذا (باب) حكم (من) أي: الشخص الذي (أفرغ)؛ أي: الماء من الإفراغ؛ أي: صبه (بيمينه على شماله في الغُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ أي: غسل الجنابة عند الاستنجاء، وهذا الباب مقدم على الباب الذي قبله عند ابن عساكر والأَصيلي، وعلى كل تقدير؛ فالمناسبة بينهما ظاهرة من حيث إنَّ كلًّا منهما يتعلق بالوضوء، وإفراغ الماء بيمينه على شماله في الاستنجاء في الغسل، وأمَّا في غسل الأطراف؛ فإن كان الإناء الذي يتوضأ منه إناء واسعًا؛ يضعه عن يمينه، ويأخذ منه الماء بيمينه، وإن كان ضيقًا؛ كالقماقم؛ يضعه عن يساره، ويصب الماء منه على يمينه، كذا قرره في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

[حديث: وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غُسلًا وسترته فصب على يده]

٢٦٦ - وبالسَّند قال: (حدثنا موسى بن إسماعيل) : هو التبوذكي (قال: حدثنا أبو عَوانة)؛ بفتح العين المهملة، وتخفيف الواو: هو اسمه الوضاح- بالمهملة آخره- اليشكري (قال: حدثنا الأعمش) : هو سليمان بن مهران، (عن سالم)؛ بالسين المهملة (بن أبي الجَعْد)؛ بفتح الجيم، وسكون المهملة، (عن كُريب)؛ بضمِّ الكاف (مولى ابن عباس، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن) خالته (مَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية (بنت الحارث) : الهلالية زوج النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وسقط (بنت الحارث) في رواية، وهذا الحديث تقدم من رواية موسى بن إسماعيل المذكور أيضًا في باب (الغسل مرة)، لكن شيخه هناك عبد الواحد، وهنا أبو عَوانة، وفي ألفاظهما اختلاف كما ترى؛ فافهم، (قالت: وضعت لرسول الله) وهناك: (للنبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم غُسلًا)؛ بضمِّ الغين المعجمة؛ هو ما يغتسل به، وبالفتح مصدر، وبالكسر اسم ما يغتسل به؛ كالسدر ونحوه، والمراد الأول، ويحتمل أنَّها ضمت إليه الثالث؛ لأجل التنظيف من الجنابة، (وسترته)؛ بضمير المتكلم، وهذا معطوف على قولها (وضعت)، كما هو ظاهر، زاد ابن فضيل عن الأعمش: (بثوب)؛ أي: غطيت رأسه، كذا قاله صاحب «عمدة القاري»، وتبعه الشراح، فالضمير في (سترته) يعود على الماء بمعنى الإناء الذي فيه الماء، وإنَّما أرجعوه إليه؛ لقرب المرجع، كما هو القاعدة، والحامل لها على ستره خوف وقوع قذر أو غيره في الماء من ريح أو غيره فينجس الماء أو يستقذر، ويحتمل أن يعود الضمير على النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فيكون المعنى: وضعت بيني وبينه ثوبًا ساترًا؛ مخافة أن ترى عورته، وأيد هذا الاحتمال العجلوني بما سيأتي في باب (نفض اليدين في الغسل)، فإنَّه قد صرح بالنبيِّ عليه السلام.

قلت: وهذا ليس يؤيد هذا الاحتمال؛ لأنَّ القصة مختلفة على أنَّ الحاجة لوضع الثوب ستر العورة، والنبيُّ عليه السلام كان في حجرتها، وليس عنده غيرها، فاحتمال أن ترى عورته بعيد، بل الاحتياج إلى ستر الماء أشد لاحتمال وقوع فأرة فيه ونحوها مما يفسد الماء.

وزعم ابن حجر أنَّ الواو في (وسترته) حالية، ورده صاحب «عمدة القاري» بأنَّه ليس كذلك، بل هي عاطفة، فهو معطوف على (وضعت) انتهى.

وزعم العجلوني: أنَّه لا يتعين العطف، بل يجوز الوجهان.

قلت: بل يتعيَّن أن تكون الواو عاطفة؛ لصحة المعنى، وظهوره بخلاف الحالية، فإنَّها بعيدة المعنى مع خفائه؛ فليحفظ.

(فصب) معطوف على محذوف؛ أي: فأراد النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم الغسل، فكشف رأسه، فأخذه فصب (على يده)؛ بالإفراد، وفي رواية بالتثنية، والمراد من اليد الجنس، فصح إرادة كلتيهما منه.

وزعم ابن حجر أنَّ (فصب) عطف على (وضعت)؛ المعنى: وضعت له ماء فشرع في الغسل، ورده صاحب «عمدة القاري» : (بأنَّ هذا تصرف من ليس له ذوق من معاني التركيب، وكيف يكون الصب معقبًا بالوضع وبينهما أفعال أخرى؟ ولا يجوز تفسير «صب» بمعنى شرع) انتهى.

واعترضه العجلوني فزعم أن لا وجه لإنكاره ما قاله، فإنَّه إذا فرض أنَّ الإدارة والكشف وقعا قبل الوضع؛ جاز كون الصب معقبًا عليه من غير واسطة أفعال أخرى، ولا مانع من تفسير (صب) بمعنى شرع؛ لأنَّ من شرع في إفراغ ماء مثلًا؛ جاز أن يقال فيه: صبه، نعم؛ في قول ابن حجر: (والكشف يمكن كونه وقع قبل الوضع) مؤاخذة؛ لأنَّ المراد به كشف رأس الإناء، وكأنَّ ابن حجر ظن أنَّه رأس النبيِّ عليه السلام، وكذا في قوله: (والأخذ عين الصب) فيه ما فيه؛ لأنَّ الصب ينشأ عن الأخذ لا عينه، ولا داعي إلى التجوُّز بجعله عينه؛ فتأمل.

قلت: تأملت قوله: (أن لا وجه لإنكاره)، فرأيته له وجه وجيه.

وقوله: (فإنَّه إذا فرض...) إلخ هذا كلام من لم يشمَّ شيئًا من رائحة العلم، فإنَّ المعاني والأحكام لا تبنى على الفرض والتقدير، كيف وقد ثبت في الحديث وجود الواسطة بين الوضع والصب، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، ولا ينكر هذا إلا كل متعنت خال الفهم؟

وقوله: (ولا مانع من تفسير...) إلخ، بل المانع

<<  <   >  >>