للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

«عمدة القاري».

قلت: والأظهر: الأول، والعلة في الحذف التخفيف.

(قالت)؛ أي: عائشة (فلا تجلس)؛ أي: الوليدة المذكورة (عندي مجلسًا إلا قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا)؛ بمثناة فوقية، قبل العين، كذا في رواية أبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر، وفي رواية غيرهم (من أعاجيب) بالهمزة بدل التاء، وأعاجيب جمع (أعجوبة)، كأحدوثة، وكذلك تعاجيب، فلا واحد له من لفظه، كما قاله ابن سيده، والجوهري، وقال الزركشي: (لا واحد له من لفظه، ومعناه: عجائب)، قال في «المصابيح» : (ولا أدري لم لا يُجعل جمعًا لتعجيب مع أنَّه ثابت في اللغة؟ يقال: عجَّبت فلانًا تعجيبًا إذا جعلته يعجب، وجمع المصدر باعتبار أنواعه لا يمتنع) انتهى.

قلت: ولم أر من الشراح من تكلم فيه، والظاهر: أنَّه وجيه، لكن أهل اللغة كالجوهري، وابن سيده، وغيرهما، لم يسلموه؛ فافهم.

(ألا)؛ بتخفيف اللام للضرورة؛ استفتاحية (إنَّه)؛ بكسر الهمزة؛ أي: الله تعالى (من بلدة الكفر أنجاني)، وهذا البيت من البحر الطويل، وأجزاؤه ثمانية، وهي فعولن مفاعيلن، ثمان مرات، وفيه القبض في الجزء الأول، وهو حذف الخامس الساكن قاله إمام الشَّارحين.

وزعم ابن حجر إن أشبعت حركة الحاء من (الوشاح)؛ صار سالمًا أو قلت: (ويوم وشاحٍ)؛ بالتنوين، وبحذف (أل) : من الوشاح صار في أول جزء من البيت، وهو أخفُّ من الأول، واستعمال القبض في الجزء الثاني وكذا السادس في أشعار العرب؛ كثيرٌ، وأما أشعار المولدين؛ فيندر استعماله، انتهى.

قلت: هذا قياس علم العروض، لكنَّ الرواية ههنا تخالفه؛ فافهم.

(قالت: عائشة)؛ أي: الصديقة رضي الله عنها: (فقلت لها) أي: للوليدة: (ما شأنك لا تقعدين)؛ بضمِّ العين المهملة (معي مَقعدًا)؛ بفتح الميم (إلا قلت هذا)؛ أي: إلا أنشدت هذا البيت، (قالت)؛ أي: عائشة: (فحدثتني بهذا الحديث)؛ أي: المتضمن للقصة المذكورة، أو المراد بالحديث القصة المعروفة.

ومطابقته للترجمة في قولها: (وكان لها خباء في المسجد)؛ لأنَّها لم تنصب (خباء) فيه إلا للبيتوتة، والنوم فيه.

قال ابن بطال: (وفي الحديث: أنَّ من لم يكن له مسكن، ولا مكان مبيت؛ أن يباح له المبيت في المسجد سواء كان رجلًا أو امرأة عند حصول الأمن من الفتنة) انتهى.

قلت: ومن كان بهذه الحالة؛ فهو المسافر، أمَّا المقيم؛ فيكره له النوم في المسجد سواء كان ليلًا أو نهارًا، وهو مذهب الإمام الأعظم والجمهور.

وفي الحديث جواز استظلال الشخص في المسجد بالخيمة ونحوها مما لم يكن فيه تضييق على المصلين.

وفيه أنَّ السنة الخروج من بلدة جرت فيها فتنة على الإنسان؛ تشاؤمًا بها، وربما كان الذي جرى عليه من المحنة سببًا لخير أراده الله بها في غير تلك البلدة كما جرى لهذه السوداء، أخرجتها فتنة الوشاح إلى بلاد الإسلام، ورؤية سيد الأنام عليه السَّلام، قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً} [النساء: ٩٧]، وفيه فضل الهجرة من دار الكفر، انتهى.

وزعم العجلوني أنَّ فيه إجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرًا؛ لأنَّ في السياق ما يدل على أن إسلامها كان بعد قدومها المدينة، انتهى.

قلت: وفيه نظر؛ لأنَّ ظاهر السياق يدلُّ على أنَّ إسلامها كان قبل قدومها، ولئن سلم؛ فيحتمل أنَّها أسلمت قبل، ثم جدَّدت إسلامها بعد قدومها، لكن ليس في السياق ما يدلُّ على دعوتها أيضًا، وعلى كلٍّ؛ فهو غير ظاهر؛ والله أعلم.

(٥٨) [باب نوم الرجال في المسجد]

هذا (باب) حكم (نوم الرجال) : ليلًا أو نهارًا (في المسجد) (أل) فيه للجنس.

قال إمام الشَّارحين (فإن قلت: لم ما قال: نوم الرجل؛ مثل ما قال في الباب السابق: نوم المرأة على الإفراد؟

قلت: أمَّا الإفراد هناك؛ فلأجل أنَّ الحديث الذي فيه في قصة امرأة واحدة، وأمَّا الجمع ههنا؛ فلأن الأثر الذي ذكره في أول هذا الباب في الجماعة، على أنَّ في بعض النسخ: باب «نوم الرجل») انتهى.

قلت: يعني: بالإفراد وهو للجنس، فيساوي الجمع، وتقديرنا الحكم أولى من تقدير غيرنا الجواز؛ لأنَّ الحكم أعم؛ فيشمل الجائز المكروه وغيره؛ فافهم.

وإن كان مراد المؤلف الجواز على ما فيه، كما سيأتي؛ فافهم.

(وقال أبو قِلَابة)؛ بكسر القاف، وتخفيف اللام، واسمه عبد الله بن زيد، قال إمامنا الشَّارح: هذا التعليق قطعة من قصة العرنيين، وقد تقدم حديثهم في (الطهارة)، وهذا اللفظ أورده المؤلف موصولًا في (المحاربين) من طريق وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، (عن أنس) زاد الأصيلي (ابن مالك) : هو الأنصاري أنَّه قال: (قدِم) بكسر الدال المهملة (رَهط)؛ بالراء المهملة: هو ما دون العشرة من الرجال، ولا يكون فيهم امرأة (من عُكْل) بضمِّ المهملة وسكون الكاف وبلام: قبيلة من العرب معروفة (على النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم، فكانوا) أي: الرهط (في الصُفَّة)؛ بضمِّ الصاد المهملة، وتشديد الفاء؛ وهي موضع في أخريات المسجد النبوي، عليه سقائف مظلله، تأوي إليه الفقراء والمساكين، فنُسبوا إليها، فيقال لهم: أصحاب الصُفَّة، وقيل سموا بأصحاب الصفة؛ لأنَّهم كانوا يصفون على باب المسجد.

ومطابقته للترجمة ظاهرة؛ لأنَّهم كانوا ينامون في الصفة على عهده عليه السَّلام، وهو يدلُّ على الجواز من غير كراهة؛ لأنَّهم كانوا غرباء مسافرين، أمَّا المقيمون؛ فكره ذلك لهم؛ لأنَّ المقيم لابدَّ له من مسكن، أمَّا الغريب المسكين؛ فليس له مسكن، فيباح له ذلك؛ فافهم.

(وقال عبد الرحمن بن أبي بكر) زاد الأصيلي: (الصديق) رضي الله عنه، شهد عبد الرحمن بدرًا مع المشركين، ثم أسلم، وهاجر قبل الفتح، وكان أشجع قريش، مات قريب مكة سنة ثلاث وخمسين، وقيل: بعدها، وحمل على رقاب الرجال إلى مكة، وهو شقيق عائشة أم المؤمنين، ولمَّا أخبرت بموته؛ خرجت من المدينة حاجَّة حتى وقفت على قبره، فبكت وتمثلت بقول الشاعر:

<<  <   >  >>