للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عن يمينه) ابن القاسم، ومحمَّد بن الحسن، والقعنبي، وأبو مصعب، وأبو حذافة، وكذا ابن مهدي في إحدى الروايتين عنه، وأجاب قوم عنه باحتمال تعدد الواقعة.

وفي رواية عن عثمان بن عمر عن مالك: (جعل عمودين عن يمينه، وعمودين عن يساره)، فعلى هذا تكون الأعمدة سبعة، ويردها قوله: (وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة) بعد قوله: (وثلاثة أعمدة وراءه)، وعن هذا قال الدارقطني: (لم يتابع عثمان بن عمر على ذلك).

وأجاب الكرماني بجوابين آخرين؛ الأول: هو أنَّ الأعمدة الثلاثة المقدمة ما كانت على سَمْتٍ واحد بل عمودان مُسَامتان، والثالث على غير سَمْتِهِمَا، ولفظ (المقدمين) في الحديث السَّابق يشعر به، فتعرض للعمودين المسامتين وسكت عن ثالثهما، والثاني: أن تكون الثلاثة على سمت واحد، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الوسطاني.

قلت: ويؤيد الوجه الأول منهما ما رواه مجاهد عن ابن عمر في باب: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] فإنَّ فيها: (صلى بين الساريتين اللتين على يسار الداخل)، وهو يدل على أنَّه كان هناك عمودان على اليسار وأنَّه صلى بينهما، فيحتمل أنَّه كان هناك عمود آخر عن اليمين وعلى غير سمت العمودين، وعلى هذا فمن قال: (جعل على يمينه عمودين)، ومن قال: (جعل عمودًا عن يمينه)، كلاهما صحيح، وعلى الوجه الثاني يصح قول من قال: (جعل عمودًا عن يمينه، وعمودًا عن يساره)، وكأنَّه لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه، ومن قال: (عمودين) اعتبره.

وأجاب قوم: بأنَّه عليه السَّلام انتقل في الركعتين من مكان إلى مكان، ولا تبطل به الصلاة لقلته، وهذا ليس ببعيد؛ لأنَّ الصلاة في البيت إنَّما كانت للتبرك والفضل، والانتقال المذكور زيادة فضيلة وهو وجيه، واحتمال تعدد الواقعة بعيد؛ لاتحاد مخرج الحديث، وجزم البيهقي بترجيح رواية إسماعيل، وتمامه في الشرح، والله تعالى أعلم.

(٩٧) [بابٌ]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين، قال الشَّارح: (فإذا لم تقدر شيئًا؛ لا يكون معربًا؛ لأنَّ الإعراب يكون بالعقد والتركيب، كذا وقع لفظ «باب» بلا ترجمة في رواية الأكثرين، وليس لفظ «باب» في رواية الأصيلي، وعلى قول الأكثرين؛ هو كالفصل من الباب الذي قبله، وإنَّما فصله؛ لأنَّ فيه زيادة، وهي مقدار ما كان بينه وبين الجدار من المسافة) انتهى، يعني: وليس فيه تصريح بكون الصلاة وقعت بين السواري، وإنَّما فيه بيان المقدار المذكور.

وزاد الكرماني: أو لأنَّ الموضع المذكور من كونه مقابلًا للباب قريبًا من الجدار يستلزم كونها بين الأسطوانتين، انتهى.

قلت: هو غير ظاهر؛ لأنَّه لا يلزم ذلك؛ لأنَّه قد يكون ليس هناك أسطوانة ولا أسطوانتان، فالصَّواب ما علل به إمام الشَّارحين، وتبعه العجلوني، ولم يعزه إليه، ونسبه لنفسه، وهذه عادته، فلله در إمامنا رضي الله عنه.

[حديث: أن عبد الله كان إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه]

٥٠٦ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا) بالجمع، ولأبي الوقت بالإفراد (إبراهيم بن المنذر)، اسم فاعل من الإنذار، هو أبو إسحاق الحزامي المديني (قال: حدثنا أبو ضَمْرة)؛ بفتح الضَّاد المعجمة، وسكون الميم: هو أنس بن عياض اللَّيثي المدني، المتوفى سنة مئتين، كما مر في باب (التبرز في البيوت) (قال: حدثنا موسى بن عقبة) هو ابن أبي عياش المديني، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومئة، (عن نافع) هو مولى ابن عمر المدني: (أنَّ) بفتح الهمزة (عبد الله) زاد الأصيلي: (ابن عمر) هو ابن الخطاب القرشي العدوي المدني رضي الله عنهما (كان) أتى بها لإفادة الدوام والاستمرار (إذا دخل) أي: ابن عمر (الكعبة)؛ أي: البيت الحرام للصلاة فيه الفرض أو الواجب أو النفل، وقوله: (مَشى) : جواب (إذا)؛ بفتح الميم، مصدر مشى يمشي مشيًا (قِبَل وجهه)؛ بكسر القاف وفتح الموحَّدة؛ أي: مقابل وجهه (حين يدخل)؛ أي: ابن عمر الكعبة؛ يعني: لا يقف، بل بمجرد الدخول يمشي؛ لأنَّه ليس لوقوفه فائدة؛ فافهم، (وجعل الباب) أي: باب الكعبة (قِبَل)؛ بكسر أوله وفتح ثانيه؛ أي: مقابل (ظهره)، وقوله: (فمَشى) : الفاء فيه للتعقيب (حتى يكونَ)؛ بالنصب؛ أي: إلى أن يكون (بينه) أي: ابن عمر (وبين الجدار) أي: جدار الكعبة الجنوبي (الذي قِبَل)؛ بكسر أوله وفتح ثانيه؛ أي: مقابل (وجهه)؛ أي: وجه ابن عمر، وقوله: (قريبًا)؛ بالنصب، ويروى: بالرفع، وهو الأصل؛ لأنَّه اسم (يكون)، والظرف المقدم خبرها، ووجه النصب أن يكون اسمه محذوف؛ تقديره: يكون القَدْر أو المكان قريبًا من ثلاثة أذرع، كذا قاله إمام الشَّارحين، وتبعه الكرماني، والبرماوي، وابن حجر، يعني: أنَّ (قريبًا) بالنصب خبر (كان) والاسم محذوف، وزعم الزركشي أنَّه خطأ.

قلت: رواية النصب لأكثر الرواة ثابتة لا محالة، ووجهها ظاهر، فخطؤه مردود عليه.

وعبارة ابن حجر تفيد أنَّ الرواية بالنصب لا غير، قلت: وفيه قصور، فإنَّ الرواية بالرفع ثابتة لبعض الرواة، بل قال في «التنقيح» : الصَّواب الرفع، ووجَّهه الدماميني بأنَّه على حذف الموصول وبقاء صلته؛ أي: حتى ما يكون، قال: ولكنه ليس بمقيس، انتهى، قلت: وما قَدَّر به إمامنا الشَّارح هو الصَّواب، والسياق يدل عليه، بخلاف تقدير الدماميني، فإنَّ فيه تعسفًا وخروجًا عن القواعد.

وزعم العجلوني أنَّ (بين) تتصرف قليلًا؛ كما في قوله تعالى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: ٩٤] في قراءة الرفع، فلو حمل ما هنا عليه؛ لكان وجيهًا؛ فتأمله.

(من ثلاثة أذرع)؛ بالتأنيث رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر: (ثلاث)؛ بالتذكير، ووجه التأنيث مع أنَّ الذراع مذكر: أنَّه شبهه بذراع اليد؛ وهو يجوز تذكيره وتأنيثه، قاله الكرماني.

وقال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: الذراع مذكر فما وجه تركه التَّاء؟

قلت: أجاب بعضهم: بأنَّ الذراع يذكر ويؤنث، وليس كذلك على الإطلاق، بل الذراع الذي يذرع به يذكر، وذراع اليد يذكر ويؤنث، وههنا شبهه بذراع اليد) انتهى.

قلت: مراده بقوله: (بعضهم) : ابن حجر، فإنَّه قال: (الذراع يذكر ويؤنث)، ولم يقيده بشيء، وتبعه القسطلاني، وفيه نظر ظاهر لا يخفى؛ حيث لم يفرق بين الذي يذكَّر فقط وبين الذي يذكَّر ويؤنث؛ فافهم.

وأجاب العجلوني تعصبًا بأنَّه يمكن حمل كلام ابن حجر على ذراع اليد لا الآلة مع أنَّه مؤنث.

قلت: وهو ظاهر الفساد مع ما فيه من العناد؛ لأنَّ ظاهر اللَّفظ وصريحه يدل على أنَّ المراد ذراع الآلة؛ لأنَّه هو الذي يذرع به، وتمسح به الأرض، ويبتاع به العامة، وهو مذكَّر لا غير، فكيف يحمل على ما ذكر؟ وما ادعاه من أنَّ الذراع بمعنى الآلة مؤنث؛ ممنوع؛ لأنَّه لم يقل به أحد من أئمة اللُّغة ولا غيرهم، فهو تأنيث من عنده مردود عليه؛ فافهم.

وقوله: (صلى) : جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا (يَتوخى)؛ بفتح التحتية أوله، وبالخاء المعجمة، آخره ألف وتكتب ياء؛ أي: يتحرَّى، يقال: توخيت مرضاتك؛ أي: تحريت وقصدت، والجملة محلها نصب على الحال (المكان) بالنصب على المفعولية من الكعبة المشرفة (الذي أخبره به) أي: بذلك المكان منها (بِلال)؛ بكسر الموحَّدة، مؤذن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: (أنَّ) بفتح الهمزة (النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وخبر (أنَّ) جملة قوله: (صلى فيه)؛ أي: في ذلك المكان الذي أخبره به بلال رضي الله عنه.

(قال) أي: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (وليس على أحدنا) ولابن عساكر: (وليس على أحد)؛ بحذف لفظة (نا)، وقوله: (بأس) : اسم (ليس)؛ أي: شدة (إن صلى)؛ بكسر الهمزة، و (صلى)؛ بلفظ الماضي، وفي رواية الكشميهني: (أن يصلِّي) بفتح الهمزة، ولفظ المضارع؛ والتقدير: ولا بأس من أن يصلِّي، وحذف حرف الجر سائغ، كذا قرره إمام الشَّارحين، وتبعه الشَّارحون؛ فافهم، (في أيِّ نواحي) أي: في أيِّ جهات (البيت) أي: الكعبة المعظمة (شاء)؛ أي: فهو مخيَّر في الصلاة في أيِّ مكان شاء منها.

ومطابقة الحديث للتَّرجمة في الباب السَّابق بطريق الاستلزام، وهو أنَّ الموضع المذكور من

<<  <   >  >>