للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما قبلها.

(لا تُمسك ماء) في محل رفع صفة (قِيعان)، (ولا تُنبت كلأ) صفة أيضًا؛ بضم المثناة الفوقية فيهما، (فذلك)؛ أي ما ذكر من الأقسام الثلاثة محله رفع مبتدأ، (مَثَل) خبره؛ بفتح الميم والمثلثة، (مَن) موصولة محلُّها (١) الجرُّ بالإضافة، (فقُه)؛ بضم القاف وقد تكسر؛ أي صار فقيهًا، (في دين الله) تعالى، (ونفعه ما)، وفي رواية: (بما)؛ أي: بالذي، (بعثني الله) سبحانه، (به، فعلِم) ما جئتُ به، (وعلَّم) غيرَه.

وهذا على قسمين؛ الأول: العالم العامل المعلِّم، كالأرض الطيبة شربت فانتفعت بنفسها وأنبتت فنفعت غيرها.

والثاني: الجامع للعلم، المستغرق لأوقاته فيه، المعلِّم غيرَه، لكنه لم يعمل بنوافله، كالأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وتمام تحقيقه في «عمدة القاري».

(ومَثَل)؛ بفتح الميم والمثلثة، (مَن) موصولة، (لم يرفع بذلك رأسًا) يعني: تكبر ولم يلتفت إليه من غاية تكبره؛ بأن دخل الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه ولم يعمل به ولم يعلِّمه، كالأرض السبخة التي لا تقبل الماء وتفسده على غيرها.

(ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)؛ أي: مَن لم يدخل في الدين أصلًا؛ بل بلغه فكفر به، كالأرض الصمَّاء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا تنتفع به، شبَّه عليه السلام ما جاء به من الدين بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم، وكذا حال الناس قبل مبعثه عليه السلام، فكما أنَّ الغيث يحيي البلد الميت كذلك علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبَّه السامعين له بالأراضي المختلفة التي ينزل بها الغيث، وتمامه في «عمدة القاري».

(قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلِّف، وهو ساقط في رواية، (قال إسحاق) بن إبراهيم بن مَخْلَد، بفتح الميم، وإسكان الخاء المعجمة، وفتح اللام: أبو يعقوب الحنظلي المِروزي المشهور بابن راهَوَيه؛ بالهاء والواو المفتوحتين آخره تحتية ساكنة، وقيل: بضم الهاء وفتح التحتية، المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومئتين، أو هو إسحاق ابن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري نزيل المدينة، المتوفى سنة اثنين وثلاثين ومئتين، أو هو إسحاق بن منصور بن بَهْرام الكوسج المِروزي، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومئتين، والظاهر الأول؛ لأنَّه أطلق، فالمراد هو كذا قيل.

(وكان منها طائفة)؛ أي: قطعة من الأرض، (قيَّلت الماء)؛ بالمثناة التحتية المشدَّدة، بدل قوله: (قبلت)؛ بالموحدة، وجزم الأصيلي أنَّها تصحيف من إسحاق، وصوَّبها غيرُه، و (قيلت) من القيلولة؛ أي: شربت نصف النهار، وزاد في رواية هنا: (قاع)؛ أي: قِيعان المذكور في الحديث، جمع قاع؛ أرض (يعلوه الماء) ولا يستقرُّ فيه.

(والصفصف المستوي من الأرض) هذا ليس في الحديث، وإنَّما ذكره جريًا على عادته في الاعتناء في تفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن العظيم، ووقع فيه: {قاعًا صفصفًا} [طه: ١٠٦]، وما فسَّره المؤلف هو قول أكثر أهل اللغة، وتمامه في «عمدة القاري».

(٢١) [باب رفع العلم وظهور الجهل]

هذا (باب رفع العلم وظهور الجهل) الأول مستلزم للثاني، وأتى به للإيضاح، (وقال ربيعة) الرأْي؛ بإسكان الهمزة، ابن عبد الرحمن فرُّوخ؛ بالراء المشدَّدة المضمومة والخاء المعجمة، المدني الربعي، قتل بالأنبار في دولة بني العباس، (لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم)؛ أي: الفهم، (أن يضيِّعَ نفسه) بترك الاشتغال أو بعدم إفادته لأهله؛ لئلَّا يموت العلم، وفي رواية: بحذف (أنْ)، وهذا الأثر وصله البيهقي في «المدخل» والخطيب في «الجامع»، و (ينبغي) تُستعمل بمعنى الوجوب وبمعنى الندب.

[حديث: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم]

٨٠ - وبه قال: (حدثنا عِمران بن مَيسرة)؛ بكسر العين وفتح ميم ميسرة: ضد الميمنة، أبو الحسن المنقري البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومئتين، (قال: حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التيمي البصري، (عن أبي التَّيَّاح)؛ بفتح الفوقية، وتشديد التحتية، آخره مهملة، يزيد بن حُميد الضبعي، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومئة.

(عن أنس)، زاد في رواية: (ابن مالك)، أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ) للتوكيد؛ بكسر الهمزة، (من أشراط)؛ بفتح الهمزة، (الساعة)؛ أي: القيامة؛ أي: علامتها، والجار والمجرور خبر مقدم، (أنْ) مصدريَّة (يُرفعَ العلم)؛ بضم المثناة التحتية في محل نصب اسمها مؤخَّرًا (٢)؛ أي: رفع العلم بموت حملته وقبض العلماء، وليس المراد محوه من صدور الحفاظ وقلوب العلماء، وعند النسائي: بحذف (أنْ) فيكون محل (أن يرفع العلم) رفعًا على الابتداء، وخبره (من أشراط الساعة) مقدم.

(و) أن (يَثبت الجهل)؛ بفتح المثناة التحتية، من الثبوت؛ بالمثلثة ضد النفي، وعند مسلم: (ويبث) من البث؛ بموحدة فمثلثة: وهو الظهور والفشو، (و) أن (يُشرب)؛ بضم المثناة التحتية، (الخمر) قيل: المراد كثرة شربه؛ لما عند المؤلِّف في (النكاح) : «ويكثر شرب الخمر»، قلت: هذا غير مراد، وإنَّما المراد شربُه مطلقًا هو جزء العلة من الأشراط، وما عند المؤلِّف في (النكاح) لا يستلزم نفي مطلق الشرب أن يكون من أشراطها؛ لأنَّ المقيَّد بحكمٍ لا يستلزم نفي الحكم المطلق، والأصل إجراء كلِّ لفظٍ على مقتضاه، ولا تنافيَ بين حكمٍ يمكن حصوله معلقًا بشرطٍ تارة وبغيره أخرى؛ كالملك فإنَّه يوجد بالشراء والهبة وغيرهما.

وما قيل: إنَّ المطلق محمولٌ على المقيَّد لأنَّ المقام مقام الاحتياط والحمل على الكثرة أولى، ممنوعٌ؛ لأنَّ حمل المطلق على المقيَّد مسلَّم في غير هذا المحلِّ؛ لأنَّ الشارع أمرنا باجتنابه بالكلِّيَّة، ولم يفصل بين قليله وكثيره، وحمل المطلق على المقيد غيرُ جائز هنا، وقوله: لأنَّ المقام مقام الاحتياط، هذا شاهد ودليل عليه؛ لأنَّه إذا كان المقام مقام الاحتياط؛ فالمنع منه بالكُلِّيَّة فرضٌ، فيجب الحمل على الشرب مطلقًا؛ فافهم؛ وليحفظ.

(و) أن (يظهر الزنا) بالقصر لغة حجازيَّة وبالمدِّ لغة نَجْدِيَّة، والنسبة إلى الأول: زنوي، وإلى الآخر: زناوي؛ أي: يفشو وينتشر، وصرَّح في رواية مسلم: (ويفشو الزنا).

فوجود هذه الأربعة هو العلامة لوقوع الساعة؛ أي: القيامة: وهي واقعةٌ في هذا الزمان، اللَّهُمَّ أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها، وأعذنا من خِزْيِ الدنيا وعذاب الآخرة.

[حديث: من أشراط الساعة أن يقل العلم]

٨١ - وبه قال: (حدثنا مُسَدَّد)؛ بضم الميم، وفتح السين والدال المهملتين: ابن مُسَرْهِد، (قال: حدثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان، (عن شعبة) هو ابن الحجاج، (عن قتادة)؛ بفتح القاف والمثناة الفوقية: ابن دِعامة، (عن أنس)، زاد الأصيلي: (ابن مالك)، (قال: لَأُحدِّثَنَّكم)؛ بفتح اللام؛ أي: والله لَأحدِّثَنَّكم، فلذا أكد بالنون، وبه صرَّح أبو عَوانة، عن هشام، عن قتادة، (حديثًا لا يحدِّثكم أحدٌ بعدي)، وعند مسلم: بحذف الكاف والميم، وعند المؤلِّف من طريق هشام: بحذف لفظ (أحد)، ومن أين عَرَف أنَّ أحدًا لا يحدِّث بعدَه، ولعلَّه عرفه بإخبار النبي الأعظم عليه السلام له، أو قال بناءً على ظنِّه أنَّه لم يسمع الحديثَ غيرُه من النبي الأعظم عليه السلام، ويَحتمل أنَّه قال ذلك لأهل البصرة خاصَّةً؛ لأنَّه آخر مَن مات مِن الصحابة عندهم.

(سمعت رسول الله)، وفي رواية: (النبي الأعظم)، (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: كلامَه حالَ كونه (يقول: مِن)، وفي رواية: (إنَّ مِن)، (أشراط)؛ بفتح الهمزة، جمع شرط بالتحريك؛ أي: علامات، (الساعة) القيامة، (أن يقِلَّ)؛ بكسر القاف، من القلة، (العلم) والجملة رفع على الابتداء، و (أن) مصدريَّة، و (مِن أشراط الساعة) خبر مقدم، والتقدير: (من أشراط الساعة قِلَّةُ العلم)؛ أي: بموت أهله، وعند المؤلِّف: أن يرفع العلم، ولا تنافيَ بينهما؛ لأنَّ القِلَّة قد تطلق ويراد بها العدم، أو كان ذلك باعتبار زمانين؛ كأن يقال: القِلَّة في ابتداء أمر الأشراط، والعدم انتهاؤه، كذا قال في «عمدة القاري»، وتمامه فيه.

(و) أن (يظهر الجهل) وقِلَّةُ العلم مستلزمة لظهور الجهل، (و) أن (يظهر الزنا)؛ بالقصر والمدِّ؛ أي: يفشو، (و) أن (تكثر النساء و) أن (يقل الرجال)؛ لكثرة القتل، فبموت الرجال فتكثر النساء وبقلَّتهم يكثر الفساد والجهل، وأشار بهذا إلى كثرة الفتوح فتكثر السبايا، فيتخذ الرجل عدة موطوءات، أو أنَّه تكثر ولادة الإناث، وتقل ولادة الذكور؛ لأنَّ النساء حبائل الشيطان، وهن ناقصات عقل ودين.

(حتى)؛ أي: إلى أن (يكون لخمسين امرأة القَيِّمُ) بالرفع اسم (يكون)، وقوله: (الواحدُ) صفتُه، مَن يقوم بأمرهِنَّ، وهل المراد حقيقةُ العدد أو مجازٌ عن الكثرة والمبالغة بأنَّ الأربعة كمال النصاب فاعتبر الكمال، وزيادة واحدة مبالغة، أو لأنَّ الأربعة تنسحب إلى عشرة وهي إلى خمسين إلى


(١) في الأصل: (محله)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل (مؤخر).

<<  <   >  >>