للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالإسناد، فهما إسنادان؛ أحدهما: عن عاصم، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، والآخر: عن عاصم، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، هذا هو التحقيق، وتردد الكرماني فقال: (هذا تعليق من البخاري، ويحتمل أن يكون عطفًا على سالم، فيكون متصلًا)، وتبعه البرماوي، واعترضه ابن حجر، فزعم أن التجويزات العقلية لا يليق استعمالها في الأمور النقلية)، ورده إمام الشَّارحين فقال: (هذا تشنيع غير موجه؛ لأنَّ الكرماني إنَّما قال: «هذا تعليق» بالنظر إلى ظاهر الصورة، ولم يجزم بذلك، ولهذا قال: «ويحتمل...» إلى آخره) انتهى.

قلت: ولا يخفى أن مثل هذا ليس من الأمور النقلية، كما زعمه هذا القائل، بل هو من الأمور التي يكون للرأي فيها مجال، ولا ريب أن احتمال الكرماني: (أنه عطف على سالم، فيكون متصلًا) : صحيح، ولو جزم به؛ لكان أحق وأحرى بالقبول، وزعم ابن حجر أن قوله: (وعن نافع) عطف على قوله: (عن الزهري)، ورده إمام الشَّارحين، فقال: (قصده بذلك إظهار المخالفة بأي وجه يكون، وإلا؛ فلا فساد في المعنى، بل كلاهما بمعنًى واحد، ورواية نافع هذا أخرجه البخاري في آخر كتاب «العلم» : عن آدم، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وعن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أن رجلًا سأله: ما يلبس المحرم...»؛ الحديث، فقدم طريق نافع، وعطف عليه طريق الزهري، وههنا عكس ذاك؛ حيث قدم طريق الزهري، وعطف عليه طريق نافع) انتهى.

يعني: لا فرق بين أن يقال: (عطفًا على سالم) أو (عطفًا على الزهري)، وأجاب ابن حجر في الانتقاض: (بأن قوله: «عطفًا على سالم» يصير كأن ابن أبي ذئب رواه عن الزهري عن نافع، فهو عند ابن أبي ذئب عن شيخين بالنزول عن الزهري عن سالم، وبالعكس عن نافع وسالم روياه جميعًا عن ابن عمر)، قال: (فمن كان هذا مبلغ فهمه؛ فكيف يليق به التصدِّي للرد على غيره؟) انتهى.

قلت: فقد زاد في الطنبور نغمات هذا القائل، وما ذكره غير صحيح، وما فهمه ليس بصواب؛ لأنَّ قوله: (عطفًا على سالم) صحيح، ويصير ابن أبي ذئب رواه عن الزهري عن سالم في الطريق الأول، ويصير ابن أبي ذئب رواه عن نافع عن ابن عمر، فقول هذا القائل: (وبالعكس عن نافع وسالم...) إلى آخره: غير صحيح، فأي عكس هنا، وما هو إلا عكسه؟ فإن نافعًا قد رواه عن ابن عمر، وروى عنه ابن أبي ذئب، وأن سالمًا قد رواه عن ابن عمر، وروى عنه ابن أبي ذئب عن الزهري، فهما إسنادان؛ أحدهما أعلى من الآخر، كما قدمناه، وما ذكره هذا القائل ليس بشيء، وتمامه في «منهل العليل المطل على ما وقع في الفتح من التطويل المخل»، فارجع إليه؛ فإنه ذكر فيه ما شاع وذاع وملأ الأسماع؛ فافهم، والله أعلم.

(١٠) [باب ما يستر من العورة]

هذا (باب) : في بيان (ما يُستَر)؛ بضم المثناة التحتية أوله، وفتح المثناة الفوقية، ويجوز فتح التحتية، وضم الفوقية (من العورة) : وكلمة (ما) مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة، وكلمة (من) بيانية في الوجهين؛ والتقدير: باب في بيان الشيء الذي يستر؛ أي: الذي يجب ستره من العورة، ثم هذا أعم من أن يكون في الصلاة أو خارجها، كذا قرره إمام الشَّارحين في «عمدة القاري».

قلت: لأنَّ ستر العورة واجب في الصلاة وخارجها، ويدل على هذا ما قدمه المؤلف من الحديثين اللذين في الباب قبله، فإنَّ الأول: وهو حديث أبي هريرة يدل على أن ستر العورة واجب في الصلاة، والثاني: وهو حديث ابن عمر يدل على أن ستر العورة واجب خارج الصلاة أيضًا، ولما كان هذا مذهب المؤلف؛ أعقبه بهذا الباب؛ للدلالة على أن ستر العورة واجب في الصلاة وخارجها، وزعم ابن حجر أن المراد من ستر العورة خارج الصلاة فقط، والظاهر من تصرف المصنف أنه يرى أن الواجب ستر السوءتين، انتهى.

ورده إمام الشَّارحين فقال: (وكأنه أخذ ذلك من لفظ الاحتباء الذي في حديث الباب، فإنه قيد النهي فيه بقوله: «ليس على فرجه منه شيء»، وهذا ليس فيه تخصيص بخارج الصلاة، بل النهي فيه أعم من أن يكون في الصلاة أو خارجها، وقوله: «والظاهر...» إلى آخره: ليس بشيء؛ لأنَّ الذي يدل على ذلك أيُّ تصرف منه ههنا وإن كان مذهبه ذلك) انتهى.

قلت: وكلام ابن حجر ليس بشيء؛ لأنَّه حجر ليس فيه دسم، فإنه ليس في شيء من هذا الباب ولا ما قبله ما يدل على أن المراد من الستر خارج الصلاة فقط، بل الذي دل عليه هذا الباب، والباب [الذي] قبله على أنه يجب الستر في الصلاة وخارج الصلاة، فإن أحاديث الباب السابق قد علمت وجهها، وهذا الباب ذكر فيه حديث أبي سعيد، وحديث أبي هريرة، وحديث أبي هريرة أيضًا، فهي ثلاثة أحاديث، فالأول: دال على وجوب الستر في الصلاة، والثاني: دال على وجوب الستر في الصلاة وخارج الصلاة، والثالث: دال على وجوب الستر خارج الصلاة، فجمع المؤلف هذه الأحاديث في باب واحد، وترجم لها؛ إشعارًا ودلالة على أن الستر واجب في الصلاة وخارج الصلاة، فمن أين جاء التقييد بخارج الصلاة؟

وقول ابن حجر: (والظاهر...) إلى آخره: ممنوع، فإن تصرف المؤلف هو ذكر الأحاديث التي ترجم لها، وهي ثلاثة، كما ذكرنا، وكلها دالة على أن الواجب ستر العورة من السرة إلى الركبة، فإن الحديث الأول دال على ذلك، وتقييده بـ (الفرج)؛ نظرًا لأنَّه أغلظ العورة، ومراده العورة بتمامها، وأن الحديث الثاني أدل في الدلالة على وجوب ستر العورة بتمامها، وأن الحديث الثالث أدلُّ أيضًا في الدلالة على وجوب سترها بتمامها؛ لأنَّه نهي عن الطواف عريانًا، وهو يعم العورة، وهي السوءتان وما قبلهما وما بعدهما، فهي من الركبة إلى السرة، ثم ترجم على ذلك المؤلف، وهو يدل على أن مذهبه أن العورة من السرة إلى الركبة، وأنه يجب سترها في الصلاة وخارج الصلاة، وهذا هو الحق، فقول ابن حجر: (إن الواجب ستر السوءتين) : تقييد من عنده، وكلام من لم يذق شيئًا في العلم، وتمامه في «إيضاح المرام فيما وقع في الفتح من الأوهام»، والله أعلم، وقال إمام الشَّارحين: (والعورة: سوءة الإنسان وكل ما يستحى منه) انتهى.

قلت: والعورة في اللغة: كل ما يستقبح ظهوره، مأخوذة من العور؛ وهو النقص والعيب والقبح، ومنه عور العين، وكلمة عوراء؛ أي: قبيحة، وسميت السوءة عورة؛ لقبح ظهورها، وغض الأبصار عنها، وكل شيء يستره الإنسان أنفة أو حياء؛ فهو عورة، والنساء عورة؛ كذا في كتب اللغة، والله أعلم.

[حديث: نهى رسول الله عن اشتمال الصماء]

٣٦٧ - وبالسند إليه قال: (حدثنا قُتَيْبَة)؛ بضم القاف، وفتح الفوقية، وسكون التحتية، وفتح الموحدة، تصغير قِتبة؛ بكسر القاف لقبه، واسمه علي، وكنيته: أبو رجاء (بن سعِيد) بكسر العين المهملة: هو ابن جميل البلخي (قال: حدثنا الليث)؛ بالتعريف، وفي رواية: (ليث)؛ بالتنكير: هو ابن سعد بن عبد الرحمن، الفهمي الحنفي، من أتباع الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه، وما

<<  <   >  >>