للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

النصب على أنه خبر (جعل) الذي هو من أفعال المقاربة (من فضل وَضوئه)؛ بفتح الواو: الماء الذي بقي بعد فراغه من الوضوء، وكأنَّهم اقتسموه بينهم، أو أنَّهم كانوا يتناولون ما سال من أعضائه عليه السلام، (فيتمسحون به)؛ أي: بذلك الماء، فإن كان المراد المعنى الأول؛ فلا دلالة فيه على طهارة الماء المستعمل؛ لأنَّهم أخذوا (١) ما فضل من وضوئه في الإناء، فيكون المراد منه: التبرك بذلك، والماء طاهر، فازداد طهارة ببركة وضع النبي الأعظم عليه السلام يده المباركة فيه، وإن كان المراد المعنى الثاني؛ فلا دلالة فيه أيضًا على طهارة الماء المستعمل؛ لأنَّ الماء لا يُحْكَم عليه بالاستعمال إلا إذا انفصل عن العضو واستقر في مكان، وهنا ليس كذلك، على أنَّ ظاهر اللفظ يدل على الأول، فإن جُعِل (الوضوء) اسمًا لمطلق الماء؛ فلا دلالة فيه على الطهارة، وإن أُريدَ بـ (وضوئه) : فضل مائه الذي توضأ ببعضه ولم يستعمله في أعضائه؛ فلا دلالة أيضًا، ومع هذه الاحتمالات لا يثبت دليل الطهارة، فتثبت النجاسة، وأخذ الصحابة ذلك الماء للتبرك؛ لأنَّه لا شكَّ في طهارته؛ لأنَّ إمامنا الأعظم رضي الله عنه قال بطهارة فضلاته، فكيف بماء وضوئه؟! بالأولى.

والتمسيح: من باب (التفعيل)، وهي تأتي لمعان، ومعناها هنا: العمل؛ ليدل على أن أصل الفعل حصل مرة بعد مرة؛ نحو: تَجَرَّعَهُ؛ أي: شربه جرعة بعد جرعة، والمعنى هنا كذلك؛ لأنَّ كل واحد منهم يمسح به وجهه ويديه مرة بعد أخرى، ويحتمل أن تكون للتكلف (٢)؛ لأنَّ كل واحد منهم لشدة الازدحام على فضل وضوئه كان يتعانى لتحصيله كـ (تشجع) و (تصبَّر).

(فصلى النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، والعصر ركعتين) مقصورتين؛ لأنَّه كان في السفر، (وبين يديه) خبر مقدم، والجملة حالية، وقوله: (عَنَزَة)؛ بالرفع مبتدأ مؤخر، وهي بفتحات: أقصر من الرمح وأطول من العصا، وفيه زج كزج الرمح، وإنما صلَّى إليها؛ لأنَّه عليه السلام كان في الصحراء.

وفي الحديث: دلالة على جواز التبرك بآثار الصالحين، وفيه: قصر الرباعية في السفر، وفيه: نصب العَنَزَةَ بين يدي المصلي إذا كان في الصحراء، والله أعلم.

١٨٨ - (وقال أبو موسى)؛ أي: عبد الله بن قيس الأشعري، مما وصله المؤلف في (المغازي) وأوله: عن أبي موسى قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه بلال، فأتاه أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ قال: «أبشر» ... ؛ الحديث، وفيه ما اقتصر عليه المؤلف هنا على موضع الاستشهاد، فقال: (دعا النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم بقَدَح)؛ بفتحتين: الإناء الذي يؤكل فيه، قاله ابن الأثير، وقال في «عمدة القاري» : (في استعمال الناس اليوم: الإناء الذي يشرب فيه)؛ فتأمل، (فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه) أي: في الإناء، (ومج فيه)؛ أي: صبَّ ما تناوله من الماء بفيه في الإناء، (ثم قال) عليه السلام (لهما)؛ أي: لبلال وأبي موسى، وكان بلال مع أبي موسى حاضرًا عند النبي الأعظم عليه السلام، كما دل عليه الحديث في (المغازي) : (اشربا)؛ بهمزة وصل من (شرب) (منه)؛ أي: من ذلك الماء، (وأَفرِغا)؛ بهمزة قطع مفتوحة من الرباعي؛ أي: صُبَّا من الماء (على وجوهكما ونحوركما)؛ بالنُّون، جمع نحر، وهو الصدر.

قال الإسماعيلي: (ليس هذا من الوضوء في شيء، وإنما هو مثل من استشفى بالغسل له، فغسل)، قال في «عمدة القاري» : (أراد بهذا الكلام أنه لا مطابقة له للترجمة، ولكن فيه مطابقة من حيث إنه عليه السلام لمَّا غسل يديه ووجهه في القدح؛ صار الماء مستعملًا، ولكنَّه طاهر؛ لأنَّه لو لم يكن طاهرًا؛ لما أمر بشربه وإفراغه على الوجه والنحر، وهذا الماء طاهر وطهور أيضًا بلا خلاف، ولكن إذا وقع مثل هذا من غيره عليه السلام؛ يكون الماء على حاله طاهرًا، ولكن لا يكون مطهِّرًا على ما عُرِف).

وقال الكرماني: (فيه دلالة على طهارة الماء المستعمل، وفيه جواز المج في الماء)، قال في «عمدة القاري» : (هذا في حق النبي الأعظم عليه السلام؛ لأنَّ لعابه أطيب من المسك، ومن غيره مُتَقَذَّر؛ ولهذا كرهه العلماء، والنبي عليه السلام لعابه أعظم، وكانوا يتدافقون على نخامته ويدلكون بها وجوههم؛ لبركتها وطيبها، وخَلوفه ما كان يشابه خَلوفَ غيره، وذلك لمناجاته الملائكة، فطيَّبَ الله نكهته، وخَلوفَ فمه، وجميع رائحته).

وقال ابن القطاع: (فيه دليل على أن لعاب البشر ليس بنجس، ولا بقيَّة شربه، وذلك يدل على أنَّ نهيه عليه السلام عن النفخ في الطعام والشراب ليس على سبيل أنَّ ما تطاير فيه من اللعاب نجس، وإنَّما هو خشية أن يتقذَّره الآكل منه والشارب، فأمر بالتأدُّب في ذلك، وحديث أبي موسى يحتمل أن يكون عليه السلام أمر بالشرب من الذي مجَّ فيه والإفراغ على الوجوه والنحور من أجل مرض أو شيء أصابهما)، واعترضه الكرماني: (بأنه لم يكن ذلك من أجل ما ذكره، بل كان لمجرد التيمُّن والتبرك)، قال في «عمدة القاري» : فعلى هذا لا تطابق بينه وبين ترجمة الباب، وقد قدمنا وجه المطابقة؛ فافهم، والله أعلم.

[حديث: وإذا توضأ النبي كادوا يقتتلون على وضوئه]

١٨٩ - وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) هو ابن المديني (قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعْد) بسكون العين المهملة (قال: حدثنا أبي)؛ أي: إبراهيم المذكور، (عن صالح) هو ابن كيسان، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري: أنه (قال: أخبرني) وفي رواية: (حدثني) بالإفراد فيهما (محمود بن الرَّبيع) بفتح الرَّاء (قال)؛ أي: ابن شهاب: (وهو) أي: محمود (الذي مَجَّ)؛ أي: رمى، والمُجاج: الريق الذي تمجه من فِيْك، (رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ أي: من فمه الشريف ماءً (في وجهه)؛ أي: ليمازحه؛ إيناسًا له (وهو غلام) جملة اسمية وقعت حالًا، وقوله: (من بئرهم) متعلق بقوله: (مج)، أو حال من المفعول المحذوف، والظاهر الأولى، كما لا يخفى، والضمير في (بئرهم) : يعود لمحمود وقومه بدلالة القرينة عليه.

والذي أخبر به محمود هو قوله: (عَقَلْتُ من النبي صلى الله عليه [وسلم] مجَّة مجَّها في وجهي، وأنا ابن خمس سنين من دلو)، وقوله: (وهو الذي مج...) إلى قوله: (بئرهم)؛ كلام لابن شهاب ذكره تعريفًا أو تشريفًا، وهذا الحديث لا يطابق الترجمة، وإنما يدلُّ على ممازحة الطفل بما قد يصعب عليه؛ لأنَّ مجَّ الماء قد يَصْعُبُ عليه، وإن كان قد يستلذ به؛ فافهم.

وقد أخرجه المؤلف في كتاب (العلم) في باب (متى يصح سماع الصغير)، وقد سبق الكلام عليه مستوفًى من جميع الوجوه.

(وقال عروة)؛ هو ابن الزبير بن العوام، مما وصله المؤلف في كتاب (الشروط) [في باب (الشروط] في الجهاد) (عن المِسْوَر)؛ بكسر الميم، وسكون السين المهملة، وفتح الواو، وهو ابن مَخْرَمة -بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الرَّاء- الزهري، ابن بنت عبد الرحمن بن عوف، قُبِضَ النبي الأعظم عليه السلام وهو ابن ثمان سنين، وصح سماعه منه، فهو صحابي صغير، فأصابه حجر من أحجار المنجنيق وهو يصلي في الحِجر، فمكث خمسة أيام، ثم مات زمن محاصرة الحجاج مكة سنة أربع وستين، والألف واللام فيه كالألف واللام في (الحارث) يجوز إثباتهما ويجوز نزعهما، وهو في الحالتين علَمٌ، كذا في «عمدة القاري» (وغيره) عطف على (المِسْوَر)، والمراد بالغير: هو مروان بن الحكم، كما صرَّح به المؤلف في هذا الحديث المطول في (الجهاد)، وقول الكرماني: (ولا يضر الإبهام؛ لأنَّ الغالب أن عروة لا يروي إلا عن عدلوأيضًاذكر المتابعة فيغتفر فيها الجهالة (٣)) قد رده في «عمدة القاري» : (بأن هذا غير وارد من أصله؛ لأنَّ هذا التعليق أخرجه المؤلف موصولًا، وبين فيه أن المراد من قوله: «وغيره» مروان، فإذا سقط السؤال؛ فلا حاجة إلى الجواب) انتهى.

وجملة: (يصدق كل واحد منهما)؛ أي: من المِسْوَر ومروان (صاحبه)؛ أي: كل واحد منهما يوافق الآخر على ما حدَّث به؛ حال من (المِسْوَر وغيره) لا أنه مقول ابن شهاب، كما زعمه الكرماني، كذا نبه عليه في «عمدة القاري».

والحاصل: أن قوله: (وقال عروة:...) إلخ: تعليق، وأن ضمير (منهما) عائد إلى المِسْوَر


(١) في الأصل: (أخذ).
(٢) في الأصل: (للتكليف)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (للجهالة)، ولعل المثبت هو الصواب.
(باب)؛ بالتنوين، بلا ترجمة ثابت في رواية المستملي، ساقط في رواية الباقين وهو الأولى؛ لمناسبة حديثه للباب السابق من غير فصل بينه وبين سابقه، ولهذا تركه في «عمدة القاري»؛ لظهور وجهه.

<<  <   >  >>