للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المذي النجس، وقد نفى الشافعي في آية الوضوء أن معنى الواو: الجمع المطلق، وأثبته هنا، وليس ذلك إلا تناقضًا، فإن الواو في الآية وهنا وغيرها لمطلق الجمع عند المحققين لا تفيد الترتيب؛ فليحفظ.

(قال عثمان)؛ أي: ابن عفان رضي الله عنه: (سمعته)؛ أي: جميع ما تقدم (من النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وقوله: (فسألت عن ذلك)؛ أي: عمن جامع ولم يمن، (عليًّا)؛ أي: ابن أبي طالب، (والزُّبير)؛ بضم الزاي؛ أي: ابن العوام، (وطلحة)؛ أي: ابن عبيد الله، (وأُبي بن كعب) رضي الله عنهم (فأمروه)؛ أي: أمر الصحابة المذكورونالمجامع المذكور، فالضمير المرفوع فيه راجع إلى هؤلاء الصحابة الأربعة، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى المجامع؛ لأنَّ قوله: (إذا جامع)؛ أي: الرجل، يدل على المجامع ضمنًا؛ على حد قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨]؛ أي: العدل أقرب، دلَّ عليه: {اعْدِلُوا}؛ فليحفظ.

(بذلك)؛ أي: بالوضوء، (وغسل ذَكَرُه) من مقول زيد بن خالد لا من مقول عثمان بن عفان.

ففي الحديث: دلالة على وجوب الوضوء لا الغسل على من جامع ولم يُنْزِل، وهذا الحكم منسوخ بالإجماع، فإنَّ أئمة الفتوى مجمعون على وجوب الغسل دون الوضوء من مجاوزة الختان؛ لأمر النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو زيادة بيان على ما في هذا الحديث يجب الأخذ بها؛ لأنَّ الغالب حينئذٍ سَبْقُ الماء، فالتزم المسلمون الغسل من تغيُّب الحشفة بالسُّنَّة الثابتة في ذلك.

فإن قلت: إذا كان الحديث منسوخًا، فكيف يصحُّ الاستدلال به؟

وأجيب: بأنَّ المنسوخ منه عدم وجوب الغسل لا عدم الوضوء، فحكمه باقٍ، ولذا قلنا: إنَّ السنَّة للمغتسل أن يبدأ أولًا بالوضوء، ثم يغتسل، والحكمة في الأمر بالوضوء قبل أن يجب الغسل؛ لكون الجماع مظنَّة خروج المذي غالبًا، والغالب كالمتحقق، فدلالته على الترجمة من هذه الجزئية، وهي وجوب الوضوء من الخارج المعتاد لا على الجزء الأخير، وهو عدم الوجوب في غير المنسوخ، ولا يلزم أن يدل كلُّ حديث في الباب على كلِّ الترجمة، بل تكفي دلالة البعض على البعض؛ فتأمل، والله أعلم.

[حديث: إذا أعجلت أو قحطت فعليك الوضوء]

١٨٠ - وبه قال: (حدثنا) وفي رواية: بالإفراد (إسحاق هو ابن منصور) وفي رواية إسقاط: (هو)، ولكريمة: إسقاطها وما بعدها؛ أي: ابن بَهرام -بفتح الموحدة- المعروف بالكوسج المروزي، وهو الأصح، كما نص عليه في «عمدة القاري»؛ معزوَّا (١) لأبي نعيم في «المستخرج».

(قال: أخبرنا النَّضْر)؛ بفتح النُّون وسكون الضَّاد المعجمة، ابن شُميل (٢) -بضم المعجمة- أبو الحسن المازني، البصري (قال: أخبرنا شعبة) هو ابن الحجاج، (عن الحَكَم)؛ بفتح الحاء المهملة وفتح الكاف، هو ابن عتيبة، تصغير: عتبة الباب، (عن ذَكوان)؛ بفتح المعجمة، (أبي صالح) الزيَّات المدني، (عن أبي سعيد الخدري)؛ هو سعد بن مالك الأنصاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى رجل من الأنصار)؛ أي: ليحضر عنده، ولمسلم وغيره: (مر على رجل)، قال في «عمدة القاري» : فيُحْمَل على أنه مر به، فأرسل إليه، وسمى مسلمٌ هذا الرجل في روايته من طريق أخرى، عن أبي سعيد عِتْبان -بكسر العين المهملة، وسكون المثناة الفوقية، بعدها موحدة، فألف، فنون- ولفظه من رواية شريك ابن أبي نمر، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله عليه السلام إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم؛ وقف رسول الله عليه السلام على باب عِتْبان، فخرَّ يجر إزاره... ؛ فذكر الحديث بمعناه، وعِتْبان المذكور هو ابن مالك، الأنصاري، الخزرجي، السالمي، البدري، ووقع في رواية في «صحيح أبي عوانة» : أنه ابن عتبان، قال في «عمدة القاري» : والأول أصح، ورواه ابن إسحاق في «المغازي» قال: فهتف برجل من أصحابه يقال له: صالح، فإن حُمِلَ على تعدد الواقعة، وإلا فطريق مسلم أصح، كما في «عمدة القاري»، وقد وقعت القصة أيضًا لرافع بن خديج وغيره، أخرجه أحمد وغيره، ولكن الأقرب في تفسير المبهم: أنَّه عِتْبان، كذا في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(فجاء)؛ أي: الرجل المذكور، (ورأسه يقطر)؛ جملة اسمية وقعت حالًا من الضمير الذي في (جاء)، ومعنى (يقطر) : ينزل منه الماء قطرة قطرة من أثر الاغتسال، وإسناد القطر إلى الرأس مجاز؛ من قبيل (سال الوادي)، كما في «عمدة القاري».

(فقال النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: للرجل المذكور: (لعلَّنا)؛ كلمة (لعلَّ) هنا؛ لإفادة التحقيق؛ فمعناه: قد (أعجلناك)؛ أي: عن فراغ شغلك وحاجتك من الجماع أو الغسل، وقوله: (فقال)؛ أي: الرجل للنبي الأعظم عليه السلام، وفي رواية: بإسقاط الفاء: (نعم)؛ أي: أعجلتني؛ مقرر للتحقيق، وقيل: إن (لعلَّ) للاستفهام، ويدل له جوابها بـ (نعم)، وقيل: للإشفاق، ولا يمكن أن تكون (لعلَّ) هنا على بابه للترجي؛ لأنَّه لا يحتاج إلى جواب، وهنا قد أجاب الرجل بـ (نعم)، و (أعجلناك) : من الإعجال، يقال: أعجله إعجالًا، وعجَّله تعجيلًا؛ إذا استحثه، أفاده في «عمدة القاري» بزيادة.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أُعجِلت)؛ بضم الهمزة على البناء المجهول، وفي رواية: (إذا عَجِلت)؛ بفتح العين، وكسر الجيم المخففة، بدون همزة، وفي أخرى: (إذا عُجِّلت)؛ بدون همزة وتشديد الجيم على صيغة المجهول، (أو قُحِطت)؛ بضم القاف وكسر الحاء المهملة، وزعم ابن الجوزي: (أن أصحاب الحديث يقولون: قَحطت؛ بفتح القاف)، لكن في «عمدة القاري» نقلًا عن شيخه: (الصواب: ضم القاف)، وفي «مسلم» : (أقحَطت) بالهمزة وفتح الحاء المهملة، وفي رواية: بضم الهمزة وكسر الحاء، والروايتان صحيحتان، ومعنى الإقحاط هنا: عدم الإنزال في الجماع، وهو استعارة من قحوط المطر، ومعناه: انحباسه، وقحوط الأرض: وهو عدم إخراجها النبات، قال التيمي: (ووقع في «الكتاب» : قحطت، والمشهور: أقحطت؛ بالألف، يقال للذي أعجل من الإنزال في الجماع قارف ولم ينزل الماء، أو جامع فلم يأته الماء: أقحط)، قال الكرماني: (فعلى هذا التقدير لا يكون لقوله: «أعجلت» فائدة، اللهم؛ إلا أن يقال: إنه من باب عطف العام على الخاص) انتهى.

قلت: وعلى كون (أو) للشك من الراوي، لا يرد الاعتراض؛ فليحفظ.

قال الكرماني: («أو» هنا للشك من الراوي، أو تنويع الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال في «عمدة القاري» : (والثاني هو الظاهر، ومراده: بيان أن عدم الإنزال سواء كان بأمرٍ خارج عن ذات الشخص كالإعجال، أو كان من ذاته كالإقحاط؛ لا فرق بينهما في الحكم في أن الوضوء عليه فيهما) انتهى، فقول ابن حجر: (قال الكرماني: «ليس «أو» للشك») خطأ بل النُّسَخُ الصحيحة من «شرح» الكرماني أن (أو) للشك؛ فليحفظ.

(فعليك الوضوء)؛ برفع (الوضوء) ونصبه، أما الرفع؛ فعلى أنه مبتدأ وخبره قوله: (عليك)، والنصب على أنه مفعول لقوله: (عليك)؛ لأنَّه اسم فعل؛ نحو: عليك زيدًا، ومعناه: فالزم الوضوء، فهو مفيد للإغراء، وليس الإغراء هنا وجهًا زائدًا في الإعراب، كما توهمه القسطلاني؛ فافهم، ويحفظ.

وفي الحديث: جواز الأخذ بالقرائن؛ لأنَّ الصحابي لمَّا أبطأ عن الإجابة مدة الاغتسال؛ خالف المعهود منه، وهو سرعة الإجابة للنبي عليه السلام، فلمَّا رأى عليه السلام أثر الغسل؛ دلَّ على أنَّه كان مشغولًا بجماع.

وفيه: أنَّه يستحب الدوام على الطهارة؛ لكونه عليه السلام لم يُنْكِرْ عليه تأخير إجابته، وكان ذلك قبل إيجابها؛ لأنَّ الواجب لا يؤخر للمستحب، كما في «عمدة القاري».

وفيه: أنَّ من جامع ولم يُنْزِلْ عليه الوضوء لا الغسل، وهو منسوخ، ولم يقل بعدم نسخه إلا ما روي عن هشام بن عروة، والأعمش، وابن عيينة، وداود، وقال الثوري: وقد أجمعت الأمة الآن على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال.

وكانت جماعة من الصحابة على أنَّه لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين، وروي إيجاب الغسل عن عائشة أم المؤمنين، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابن عمر، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، والمهاجرين، وبه قال الإمام الأعظم، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأصحابهم، وبعض أهل الظاهر، والنخعي، والثوري، فلا يجوز العمل بما روي عن بعض الصحابة من عدم الغسل؛ لأنَّهمنسوخ.


(١) في الأصل: (معزيًّا).
(٢) في الأصل: (شهيل)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>