للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنَّ الذُّكر بالضم لا غير: الاسم والمصدر عند جميع أهل اللغة، وجعل بعضهم المصدر بالضم لا غير، والاسم بالضم والكسر.

فقوله: (إنَّ الذكر...) إلخ، هذا الفرق لبعضهم، والجمهور على أنهما سواء بالضم على أنَّ المصدر، وكذا اسم المصدر في المعنى سواء حقيقة.

وقوله: (وعلى تسليم...) إلخ، هذا اعتراف منه على أنه مصدر وأنه بالضم لا غير.

وقوله: (فما وجه إيراده...) إلخ لا يخفى عليك أن وجه إيراده تفسيره ذُكر بمعنى: تذكر، والفرق بينهما ظاهر، فإنه فسر المضموم بالمكسور، وكأنه اشتبه عليه أنه من باب الذُّكر بالضم، أو من باب الذِّكر بالكسر، فاعتمد الثاني، وفسر به، وهو غير صحيح.

وقوله: (فإنه لم يدَّعِ...) إلخ ممنوع، فإن تفسيره ذلك بـ (تذكر) دليل واضح على أنه قد ادعى أنه من المكسور لا من المضموم، فإنَّ ذلك قرينة على ما زعمه، وهو دائمًا يدعي في الكلام المجاز، ويستدل بقرائن الأحوال، وهنا لما لم يفهم القرينة من الكلام على ما ادعاه؛ فصح أنَّ ما فهمه صاحب «عمدة القاري» لم يفهمه غيره، بل خفي عليه، فقال ابن حجر ما قال، وتبعه العجلوني على هذا المقال؛ فافهم.

(في المسجد)؛ أي: حال كونه فيه، فالجار والمجرور حال، ويجوز أن يتعلق بـ (ذُكر)، والأول أظهر؛ فافهم، (أنَّه)؛ بفتح الهمزة وهي اسمها، وخبرها في محل نصب مفعول الذكر (جنب)؛ أي: ذكر الرجل أنَّ عليه جنابة، فالضمير في (أنه) عائد على الرجل المفهوم من (ذكر)؛ لأنَّ الذكر لا يكون إلا من ذي القلب؛ فافهم، وهو نائب فاعل.

قوله: (ذُكر) بالضم؛ فافهم.

وقوله: (يخرج)؛ بلفظ المضارع جواب (إذا)، وفي رواية: (خرج) بالماضي؛ يعني: أن حكمه أنه يخرج من المسجد على حالته، ولا يحتاج إلى التيمم، ولهذا قال: (كما هو)؛ أي: على هيئته وحالته جنبًا فورًا، وقوله: (ولا يتيمم)؛ أي: في المسجد توضيح وبيان لقوله: (كما هو)، كما في «عمدة القاري».

قلت: وأشار بهذا الرد لما نقل عن الثوري وإسحاق: أنَّه يجب عليه في هذه الصورة التيمم، وعن بعض المالكية: أنه إذا نام في المسجد فاحتلم؛ قالوا: يتيمم قبل أن يخرج منه.

قلت: ولا فائدة في هذا التيمم؛ لأنَّ الواجب الاغتسال بالماء أو التيمم عند عدمه، وفي المساجد الماء كثير، ومع وجود الماء لا يصح التيمم، فإن كان الجنب مسافرًا، وقد مر على المسجد وفيه ماء؛ يتيمم ويدخل المسجد فيستسقي، ثم يخرج الماء من المسجد ويغتسل؛ فليحفظ.

قال في «عمدة القاري» : وفي هذا وجوه من الإعراب:

الأول: أن تكون (ما (١)) موصولة، وهو مبتدأ وخبره محذوف؛ والتقدير: كالذي هو عليه من الجنابة.

الثاني: أن يكون (هو) خبرًا محذوف المبتدأ؛ والتقدير: أي كالذي هو هو، كما قيل في قوله تعالى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: ١٣٨]؛ أي: كالذي هو لهم.

الثالث: أن تكون (ما) زائدة ملغاة، والكاف جارة، و (هو) ضمير مرفوع أنيب عن المجرور، كما في قولك: ما أنا كانت؛ والمعنى: يخرج في المستقبل مماثلًا لنفسه فيما مضى.

الرابع: أن تكون (ما) كافة، و (هو) مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: عليه أو كائن.

الخامس: أن تكون (ما) كافة، و (هو) فاعل، والأصل يخرج كما كان، ثم حذفت كانت، فانفصل الضمير، وعلى هذا الوجه يجوز أن تكون (ما) مصدرية، انتهى.

وزعم الكرماني أنَّ (ما) موصولة أو موصوفة، و (هو) مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: كالأمر الذي هو عليه، أو كحالة هو عليها، ومثل هذه (الكاف) تسمى: كاف المقارنة؛ أي: خرج مقارنًا لأمر، أو لحالة هو عليها.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال في الأول: (قلت: على كل تقدير هذه الجملة محلها نصب على الحال من الضمير الذي في «يخرج»)، وقال على الثاني: (قلت: تسميته هذه الكاف كاف المقارنة تصرف منه واصطلاح، بل الكاف هنا للتشبيه على أصله، ونظير ذلك قولك لشخص: كن كما أنت عليه؛ والمعنى: على ما أنت عليه) انتهى.

وقد تبعه ابن حجر حيث قال: (فالتشبيه هنا ليس ممتنعًا؛ لأنَّه تعلق بحالتيه؛ أي: خرج في حالة شبيهة بحالته التي كان عليها قبل خروجه) انتهى.

قلت: وقوله: (فالتشبيه...) إلخ موافقة لصاحب «عمدة القاري» في اعتراضه على الكرماني، لكن قوله: (ليس ممتنعًا) فيه نظر، وكان حقه أن يقول: (فالتشبيه هنا واجب...) إلخ؛ لأنَّ المعنى عليه، كما لا يخفى.

وقال في «المغني» : تسمى مثل هذه الكاف: كاف المبادرة، وذلك إذا اتصلت بـ (ما)؛ نحو سلم كما تدخل. وصلِّ كما يدخل الوقت، ونقله عن ابن الخباز وغيره، وقال: (إنه غريب) انتهى.

قلت: وهذا اصطلاح منه، وقد تبرأ منه ابن هشام، وقال: (إنه غريب)؛ يعني: بل الكاف للتشبيه على الأصل، والمعنى سلم على الحالة الشبيهة (٢) بحالة الدخول وصل على الحال الشبيهة بحالة دخول الوقت، فالتحقيق أن الكاف لا تخرج عن التشبيه، وتسميتها بالمبادرة أو غيرها اصطلاح، وتصرف، وتفنن في الألفاظ، وهو لا عبرة به لقوله: (وهو غريب)؛ أي: عند النحويين ضعيف لا يعتمد عليه؛ فافهم، وقد خبط العجلوني هنا فاجتنبه؛ فليحفظ.

[حديث: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قيامًا]

٢٧٥ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمَّد) : هو الجعفي المسندي (قال: حدثنا عُثمان بن عُمر)؛ بضمِّ العين المهملة فيهما: هو ابن فارس أبو محمَّد البصري المتوفى سنة ثمان ومئتين، (قال: حدثنا يونس) : هو ابن يزيد، (عن الزُّهري) : هو محمَّد بن مسلم ابن شهاب، (عن أبي سَلَمَة)؛ بفتح السين المهملة واللام: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، (عن أبي هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه (قال) أي: أبو هريرة: (أُقيمت)؛ بضمِّ الهمزة، فعل ماض مبني للمجهول؛ معناه: إذا نادى المؤذن بالإقامة، فأقيم المسبب مقام السبب، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري»، وزعم الكرماني أنَّ المراد من الإقامة ذكر الألفاظ المخصوصة المشهورة المشعرة بالشروع في الصَّلاة وهي أخت الأذان.

قلت: ولا يخفى صحة الأول، وفساد الثاني؛ لأنَّ الإقامة اسم لهذه الألفاظ المعلومة، وأنَّ المؤذن نادى بصوته بها على أنَّ قوله: (ذكر...) إلخ ممنوع، فإنه ليس المراد ذكرها، بل النداء بها بصوت عال.

وقوله: (المشعرة) ممنوع، بل هي مشعرة بالقيام إلى الصَّلاة، كما لا يخفى (الصَّلاةُ) بالرفع نائب فاعل، وهي صلاة الفجر، (وعُدِّلتِ)؛ بضمِّ العين المهملة، وتشديد الدال المهملة؛ أي: سُوِّيت، وتعديل الشيء تقويمه، يقال: عدَّله فاعتدل؛ أي: قومه فاستقام، ومنه قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار: ٧]، وفي رواية: (فعُدِّلت)؛ بالفاء (الصفوفُ)؛ بالرفع نائب فاعل؛ أي: قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كما بينه المؤلف في (الصَّلاة) من رواية صالح بن كيسان: (أنه كان قبل أن يكبر النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم) (قيامًا) جمع قائم؛ كتِجار؛ بكسر الفوقية جمع: تاجر، ويجوز أن يكون مصدرًا جازمًا على حقيقته، وقال الكرماني: (هو تمييز أو مجهول على اسم الفاعل؛ فهو حال)، ورده صاحب «عمدة القاري»، فقال: (إذا كان لفظ «قيامًا» مصدرًا (٣)؛ يكون منصوبًا على التمييز؛ لأنَّ قوله: «وعدلت الصفوف» فيه إيهام، فيفسره قوله: «قيامًا»؛ أي: من حيث القيام، وإذا كان جمعًا لـ «قائم»؛ يكون انتصابه على الحالية، وذو الحال محذوف، تقديره: وعدل القوم الصفوف حال كونهم قائمين) انتهى.

وما زعمه العجلوني معترضًا على القسطلاني ليس بشيء، كما لا يخفى.

(فخرج إلينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: بعد أن أقيمت الصَّلاة وعدلت الصفوف، (فلما قام في مُصلَّاه)؛ بضمِّ الميم: وهو موضع صلاته؛ (ذُكر)؛ بضمِّ الذال المعجمة، قال في «عمدة القاري» : (من باب الذُّكر؛ بضمِّ الذال، وهو الذكر القلبي، فلا يحتاج إلى تفسير ذكر؛ بمعنى: تذكَّر، كما فسره به بعضهم) انتهى.

قلت: والمراد بهذا البعض ابن حجر، وتبعه العجلوني، فإنه قد خفي عليهما، فجعلاه (٤) من باب (التفعُّل)، ولا يخفى فساده؛ لما قدمناه؛ فافهم؛ والمعنى: أنه عليه السلام ذكر في قلبه قبل أن يشرع في الصَّلاة (أنَّه جنب)، وإنَّما


(١) في الأصل: (ماء)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (الشبية)، ولعله تحريف.
(٣) في الأصل: (مصدر)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٤) في الأصل: (فجعلا)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>