للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

على ذلك، بل هو خدش وتخمين، والظاهر ما قلناه، ويدل عليه كلام المؤلف، كما لا يخفى.

(الملتحف المتوشح) : اسم فاعل، من باب (التفعل)، من توشح يتوشح، والتوشح بالثوب: التغشي به، والأصل فيه من الوشاح؛ وهو شيء ينسج عريضًا من أديم، وربما رصع بالجواهر والخرز، وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها (١)، ويقال فيه: وشاح وإشاح، وقال ابن سيده: (التوشح: أن يتوشح بالثوب، ثم يخرج الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقد طرفيهما على صدره، وقد وشحه الثوب)، كذا في «عمدة القاري»، (وهو)؛ أي: المتوشح (المخالف بين طرفيه) أي: طرفي الثوب (على عاتقيه)؛ بالتثنية؛ وهو موضع الرداء من المنكب، فيذكر ويؤنث، كما سبق، وأوضح ذلك بقوله: (وهو)؛ أي: التوشح الذي يدل عليه قوله: (المتوشح)؛ كما في قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ} [المائدة: ٨] (الاشتمال على منكبيه)؛ بالتثنية؛ أي: منكبي المتوشح، قال ابن السكيت: (التوشح: هو أن تأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقد طرفيهما على صدره).

قلت: وهذا أصرح مما ذكره ابن سيده.

وقال إمام الشَّارحين: والظاهر: أن الزهري لما فسر الملتحف بالمتوشح عند روايته حديثه فيه؛ أوضحه البخاري بقوله: (وهو المخالف...) إلى آخره، انتهى.

قلت: وعلى قول إمام الشَّارحين يكون قوله: (الملتحف المتوشح) : مقول الزهري، وإن قوله: (وهو المخالف...) إلى آخره: مقول البخاري، ويحتمل أن يكون الجميع مقول الزهري، والظاهر الأول؛ فافهم.

وقوله: (قال)؛ أي: المؤلف ساقط في أكثر الروايات، ثابت في رواية، (وقالت) : وسقطت الواو في رواية (أم هانئ)؛ بالنون وبالهمز، واسمها فاختة، وقيل: هند، وهي بنت أبي طالب القرشية الهاشمية، أخت علي الصديق الأصغر: (التحف النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: توشح (بثوب) من أثوابه يدل عليه قوله: (له)؛ أي: ملكه، وفي رواية الأصيلي: (في ثوب)، وفي رواية غيره: (بثوب)، وسقطت لفظة: (له) عندهما، والأولى رواية أبي ذر والكشميهني، (وخالف بين طرفيه) أي: طرفي الثوب (على عاتقيه)؛ تثنية عاتق؛ وهو موضع الرداء من المنكب، وذلك بأن جعل طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، وأخذ الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم عقد طرفيهما على صدره الشريف.

قال إمام الشَّارحين: (وهذا التعليق رواه البخاري موصولًا في هذا الباب، ولكن ليس فيه قوله: «وخالف بين طرفيه»، وفائدة هذه المخالفة ألا يسقط الثوب إذا ركع وإذا سجد) انتهى.

قلت: ووصله أيضًا مسلم في «صحيحه» لكن من طريق آخر عن أبي مرة عنها، وقال فيه: (وخالف بين طرفيه) انتهى؛ فافهم.

وقال ابن بطال: (فائدة هذه المخالفة ألا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع) انتهى.

قلت: وما قاله إمام الشَّارحين أظهر وأولى وأوجه؛ لأنَّ المقصود من الالتحاف: ستر العورة لا نظرها، فإنما التحف عليه السَّلام؛ من أجل ألا يسقط الثوب عنه، فتبدو عورته، فتفسد صلاته؛ لأنَّ نظر العورة لا يفسد الصلاة عند العامة، فما زعمه ابن البطال، وتبعه القسطلاني تعصبًا ليس بشيء لما علمت، كما لا يخفى على أولي الألباب.

[حديث: أن النبي صلى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه]

٣٥٤ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عُبيد الله) بضم العين المهملة؛ مصغر (عبد) (بن موسى) : هو ابن باذام، أبو محمد العبسي، مولاهم الكوفي، المتوفى سنة ثلاث عشرة ومئتين، (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا) (هِشام بن عُروة)؛ بكسر الهاء في الأول، وبضم العين المهملة في الثاني؛ هو ابن الزُّبير؛ بضم الزاي، (عن أبيه) : هو عروة بن الزبير بن العوَّام؛ بتشديد الواو، (عن عُمر) بضم العين المهملة (بن أبي سَلَمَة)؛ بفتح اللام بعد فتح السين، وكذا بفتح الميم، واسمه عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، أبو حفص، ربيب النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، ولد بأرض الحبشة في السنة الثانية من الهجرة، وقبض زمان عبد الملك بن مروان بالمدينة سنة ثلاث وثمانين، وأمه أم المؤمنين أم سلمة، شهد وقعة الجمل، ولم يقتل بها خلافًا لمن زعمه؛ فليحفظ.

(أن النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم صلى في ثوب واحد) من أثوابه، وهذا يدل لما قاله الجمهور من جواز الصلاة في ثوب واحد مع قدرته على أكثر منه، وهو يرد على ما قاله ابن عمر وابن مسعود: لا يصلين في ثوب وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض، وكذا هو قول مجاهد، وكأنه لم يبلغهم هذا الحديث؛ فتأمل.

(قد خالف بين طرفيه) : بأن جعل طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، وأخذ الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم عقد طرفيهما على صدره، وهذا هو الالتحاف: الذي هو التوشح والاشتمال على المنكبين، وهو مطابقة الحديث للترجمة.

قال إمام الشَّارحين: (وفي الحديث: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي؛ لأنَّ هشامًا تابعي روى عن أبيه، وهو تابعي وروى هو عن صحابي، وهذا سند عال (٢) جدًّا يشبه سند الثلاثيات، ولو كان هشام يرويه عن صحابي؛ لكان ثلاثيًّا حقيقةً؛ لأنَّه يكون حينئذ بين البخاري وبين الصحابي اثنان (٣)، فيكون ثلاثيًّا، وهنا بينه وبين الصحابي ثلاثة، فيشبه الثلاثي من جهة العلو، وليس بثلاثي حقيقة) انتهى.

[حديث ابن أبي سلمة: أنه رأى النبي يصلي في ثوب واحد]

٣٥٥ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا محمد بن المثنَّى)؛ بفتح النون، المعروف بالزمن البصري (قال: حدثنا يحيى) : هو ابن سعيد القطان (قال: حدثنا هِشام)؛ بكسر الهاء، هو ابن عروة، وقول القسطلاني: (عن أبيه) شرحًا خطأ (قال: حدثني) بالإفراد (أبي) : هو عروة بن الزبير بن العوام، (عن عُمر) بضم العين (بن أبي سَلَمَة)؛ بفتحات، هو عبد الله المخزومي (أنَّه رأى) أي: أبصر (النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي)؛ أي: صلاة النافلة؛ لأنَّها هي التي تؤدى بالبيت (في ثوب واحد) من أثوابه عليه السَّلام (في بيت أم سَلَمَة)؛ بفتحات، زوج النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، واسمها هند بنت أبي أمية، وهي أم عمر المذكور، وهذا ظرف لقوله: (يصلي) (قد ألقى)؛ أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (طرفيه) أي: طرفي ثوبه، (على عاتقيه)؛ تثنية عاتق: وهو موضع الرداء من المنكب.

قال إمام الشَّارحين: (وهذه طريقة أخرى في الحديث المذكور، ولكنها أنزل درجة من الطريقة الأولى، وفائدة ذكر هذه الطريقة: أن فيها التصريح من عمر بن أبي سلمة: أنه رأى النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي في ثوب واحد، وفيها زيادة وهي قوله: «في بيت أم سلمة»، وفائدة هذه الزيادة تعين المكان الذي يؤيد التصريح المذكور) انتهى.

[حديث ابن أبي سلمة: رأيت رسول الله يصلي في ثوب واحد مشتملًا]

٣٥٦ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عُبيد)؛ بضم العين المهملة؛ مصغرًا من غير إضافة، ويقال: اسمه عبد الله، ويعرف بعبيد، أبو محمد (بن إسماعيل) : الكوفي الهَبَّاري -بفتح الهاء، وتشديد الموحدة- المتوفي سنة خمس ومئتين.

(قال: حدثنا) ولابن عساكر: (أخبرنا) (أبو


(١) في الأصل: (كشيحيها).
(٢) في الأصل: (عالي)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (اثنين)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>