للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مستمرًّا، فيشمل ذلك الفرائض والواجبات والنوافل.

ففيه: جواز الصلاة على الخمرة من غير كراهة، وعن ابن المسيب: الصلاة على الخمرة سنة، وقد فعل ذلك جابر، وأبو ذر، وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله عنهم.

فإن قلت: روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يأتي بتراب فيضعه (١) على الخمرة، فيسجد عليه.

قلت: كان هذا منه على تقدير صحتهللمبالغة في التواضع والخشوع، لا على أنه كان لا يرى الصلاة على الخمرة، وكيف هذا وقد صح أنه عليه السَّلام صلى على الخمرة بدون حائل، وهو أكثر تواضعًا وأشد خضوعًا؟!

فإن قلت: روى ابن أبي شيبة عن عروة: أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض.

قلت: لا حجة فيه لأحد في خلاف ما فعله النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، ويمكن أن يقال: إن مراده من الكراهة التنزيه، وكذا يقال في كل من روى عنه بمثله، انتهى.

قلت: الجواب الأول هو الصواب، أما الثاني؛ ففيه أن الحديث يدل على جواز الصلاة على الخمرة من غير كراهة، فإن كان مراده كراهة (٢) التنزيه؛ فليس في الحديث ما يدل عليها؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: هذا طريق آخر لحديث ميمونة، والطريق الأول ذكره في باب (إذا أصاب المصلي امرأته إذا سجد)، لكن هناك عن مسدد عن خالد عن سليمان، وهنا عن أبي الوليد عن شعبة عن سليمان، وفائدة تكراره: اختلاف بعض رجاله في الإسناد، كما ترى، وبيان مقصود شيخه عند نقله الحديث، واختلاف استخراج الأحكام منه، ولكل من مشايخه مقصود غير مقصود الآخر، انتهى، والله أعلم

(٢٢) [باب الصلاة على الفراش]

هذا (باب) حكم (الصلاة على الفِراش)؛ بكسر الفاء: هو ما يفرش، قال إمام الشَّارحين: والفراش هنا: اسم لما يفرش من أي نوع كان من أنواع ما يبسط، ويجمع على فُرُش بالضم، ويجيء مصدرًا من فرشت الشيء أفرشُه فراشًا إذا بسطته، وهو من باب (نصر ينصُر)، والمناسبة بين البابين ظاهرة، انتهى.

قلت: والصلاة على الفراش جائزة، سواء كان الفراش ينام عليه مع امرأته أم لا، لكن بشرط أن يكون طاهرًا، وأن يكون يجد حجم الأرض عند السجود، فإذا لم يجد حجمها؛ لم تجز الصلاة عليه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، (وَصَلَّى أَنَسٌ) هو ابن مالك الأنصاري خادم النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (عَلَى فِرَاشِهِ) بالضمير، وإضافته إليه يدل على أن الفراش الذي يصلي عليه هو الذي كان ينام عليه.

قال إمام الشَّارحين: وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور؛ كلاهما عن ابن المبارك عن حميد قال: كان أنس يصلي على فراشه، انتهى.

قلت: فأضافه إليه أيضًا، وهو يدل على أنه الذي ينام عليه، وهو أبلغ في جواز الصلاة؛ لأنَّ النائم لا يخلو عن شيء من النجاسة، لكنه أمر موهوم، والأحكام لا تبنى على الوهم، والأصل في الأشياء الطهارة لا يقال: إن الفراش الذي ينام عليه ثخين لا يجد الساجد عليه حجم الأرض، لأنا نقول: كان عادة الصحابة عدم الترفُّه، وعادتهم ترك زينة الدنيا، فكان فراشهم رقيقًا، يجد الساجد عليه حجم الأرض، بخلاف ما عليه الناس في زماننا من طلب الترفه، وزينة الدنيا، وثخانة الفرش؛ بحيث لا يجد الساجد عليها حجم الأرض، فإن ذلك غير جائز في صحة الصلاة؛ لأنَّه كلما بالغ بالسجود؛ يتسفَّل، وهكذا فإذا كان كذلك؛ لا يصح السجود عليه؛ فافهم.

(وَقَالَ أَنَسٌ) هو ابن مالك الأنصاري، مما وصله المؤلف فيما بعد في الباب الذي يليه (كُنَّا)؛ أي: معشر الصحابة رضي الله عنهم (نُصَلِّي) أي: الصلوات الخمس (مَعَ النَّبِيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: في مسجده النبوي، (فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا) أي: كل واحد منا أو بعضنا (عَلَى ثَوْبِهِ)؛ أي: الذي كان هو لابسه نحو الفاضل من كمه أو ذيله المتحرك بحركته ضرورة، ويحتمل أن يكون ثوبه الذي يقلعه عن جسمه، لكن هذا الاحتمال بعيد، بل الصواب الأول؛ يدل عليه حديثه المسند الآتي، فإنه يصرح بأن المراد منه بعض ثوبه؛ حيث قال فيه: (فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود)، ويدل عليه أيضًا إضافة الثوب للضمير العائد على الساجد، فهو يدل على أن الثوب المسجود عليه هو الملبوس على المصلي.

ففيه: جواز الصلاة والسجود على فاضل ثوبه المتحرك بحركته؛ كطرف ذيله أو كمه أو عمامته، وهو مذهب الإمام الأعظم وأصحابه والجمهور، ومنعه الشافعي، ولهذا زعم القسطلاني حيث فسر قوله على ثوبه؛ أي: الذي لا يتحرك بحركته؛ لأنَّ المتحرك بحركته كالجزء منه.

قلت: وهذا تفسير مخالف لصريح هذا الأثر وكذلك للحديث المسند الآتي، وإنما فسره بهذا؛ ترويجًا لما ذهب إليه إمامه، ووجه المخالفة أنَّ هذا الأثر مختصر من الحديث المسند الآتي، والحديث دل صريحًا على أن السجود إنَّما كان على طرف ثوب المصلي الذي هو لابسه، وكذلك هذا الأثر؛ حيث إنه أضافه، والإضافة تفيد التخصيص، فالمعنى: على ثوبه المختص به في الصلاة، وهو الذي لابسه؛ كفاضل كمه أو ذيله، ولا ريب أن الثوب الذي على المصلي يتحرك بحركته قيامًا وقعودًا، فدل ذلك على جواز الصلاة في هذه الحالة، وصار الأثر والحديث حجة على الشافعي؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: ووجه مناسبة هذا الأثر للترجمة ظاهرة؛ وهو أنه إذا سجد على ثوبه يكون ساجدًا على الفراش؛ لأنَّه اسم لما يبسط كما ذكرنا، انتهى.

قلت: وكأن المؤلف أراد بقوله: (باب الصلاة على الفراش) : كل ما يبسط على الأرض، سواء كان متصلًا بالمصلي أو لا، فذكر الأثر الأول واستدل به على أن الصلاة على الفراش المنفصل جائزة، وذكر هذا الأثر الثاني واستدل به على جواز الصلاة على ما يفرش مما هو متصل بالمصلي، وهذا اختيار المؤلف كما يفهم من ترتيبه؛ فافهم.

وفي رواية الأصيلي: سقطت لفظة (أنس)، وهو يوهم أنه بقية الذي قبله، وليس كذلك، وسقط هذا التعليق كله في «الفرع» والله أعلم.

[حديث: كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته]

٣٨٢ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هو ابن عبد الله بن أبي أويس المدني ابن أخت مالك بن أنس، وتُكلِّم في إسماعيل وأبيه، لكن أثنى عليه ابن معين وأحمد ابن حنبل، كما قدمناه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد خالي (مَالِكٌ) هو ابن أنس الأصبحي، (عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هو سالم المدني (مَوْلَى عُمَرَ) بضم العين المهملة (بنِ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين المهملة وفتح الموحدة؛ مصغرًا هو التيمي المدني؛ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بفتحات، هو عبد الله (بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هو ابن عوف رضي الله عنه، (عَنْ عَائِشَةَ) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر (زَوْجِ النَّبِيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) و رضي الله عنهما بالجر صفة لعائشة (أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ) أي: في حجرتي (بَيْنَ يَدَيْ) بالتثنية (رَسُول ِاللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم) وهو في حجرتها يصلي التهجد


(١) في الأصل: (فيوضعه)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (الكراهة)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>