للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

من صلاته، ثم بان له أنَّه صلى إلى الغرب؛ استأنف الصلاة، وإن لم يبن له ذلك إلا باجتهاده؛ فلا إعادة عليه).

قلت: والأحاديث المذكورة حجة عليهم.

وزعم الواحدي (أنَّ ابن عمر ذهب إلى أنَّ الآية نازلة في التطوع بالنافلة).

قلت: وصريح الحديث السابق يرده، وقال ابن عباس: لما توفي النجاشي؛ جاء جبريل إلى النبيِّ الأعظم عليهما السلام، فقال: إنَّ النجاشي توفي؛ فصلِّ عليه، فقال الصحابة في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات ولم يصلِّ لقبلتنا؟ وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس إلى أن مات، فنزلت الآية، وقال قتادة: (هذه الآية منسوخة بقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٥٠]، وهي رواية ابن عباس)، كذا قاله في «عمدة القاري».

قلت: والأحاديث التي سبقت صريحة في أنَّ الآية نزلت في أمر القبلة، ويدل عليه أنَّ أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ استداروا في الصلاة إليها؛ فليحفظ.

(وقد سلم النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم في ركعتي الظهر) وللأصيلي: (في ركعتين من الظهر) (وأقبل على الناس بوجهه)؛ أي: من غير تحويل صدره عن القبلة، بل التفت بعنقه، فإقباله عليهم بالوجه فقط، (ثم أتم ما بقي)؛ أي: من صلاته؛ أي: الركعتين الأخيرتين.

ومطابقة هذا التعليق للترجمة من حيث عدم وجوب الإعادة على من صلى ساهيًا إلى غير القبلة، وهو ظاهر؛ لأنَّه عليه السَّلام في حال إقباله على الناس داخل في حكم الصلاة، وأنَّه في ذلك الزمان ساهٍ مصلٍّ إلى غير القبلة، وهذا التعليق قطعة من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، كذا قاله إمام الشَّارحين.

وزعم ابن بطال وابن التين إلى أنَّ هذا التعليق طرف من حديث ابن مسعود الذي سلف.

ورده الشَّارح فقال: (وهذا وهم منهما؛ لأنَّ حديث ابن مسعود ليس في شيء من طرقه أنَّه سلم من ركعتين)؛ فافهم.

قلت: فلله در هذا الشَّارح! وحقيق بأن يسمى إمام الشَّارحين؛ فليحفظ.

[حديث عمر: وافقت ربي في ثلاث]

٤٠٢ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عَمْرو)؛ بفتح العين المهملة وسكون الميم (بن عون)؛ بالنون، هو أبو عثمان الواسطي البزاز -بالزاي المكررة- نزيل البصرة، المتوفى سنة خمس وعشرين ومئتين (قال: حدثنا هُشَيْم)؛ بضم الهاء، وفتح المعجمة، وسكون التحتية، هو ابن بَشير -بفتح الموحدة- الواسطي، (عن حُميد)؛ بضم الحاء المهملة، هو الطويل البصري، (عن أنس) زاد الأصيلي: (ابن مالك)؛ هو الأنصاري، خادم النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (قال: قال عمر) هو ابن الخطاب، القرشي، العدوي، ثاني خلفاء سيد المرسلين رضي الله عنه: (وافقت ربي) من الموافقة، من باب المفاعلة الذي يدل على مشاركة اثنين في فعل ينسب إلى أحدهما متعلقًا بالآخر (١)، والمعنى في الأصل: وافقني ربي، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، ولكنَّه راعى الأدب، فأسند الموافقة إلى نفسه لا إلى الرب، كذا قاله إمام الشَّارحين، وتبعه ابن حجر وغيره.

واعترضه صاحب «اللامع» فقال: (لا يحتاج إلى ذلك، فإن من وافقك؛ فقد وافقته) انتهى.

قلت: بل يحتاج إلى ذلك؛ لأنَّ الله تعالى أفعاله وأحكامه تأتي على وفق إرادته، فقد يريد العبد شيئًا ولا يريد الرب ذلك الشيء؛ يعني: أنه تعالى أراد هذه الأحكام، وإرادته مرضية محبوبة لإرادتي؛ حيث تقع على وفق الحكمة، وإنما يحتاج إليه أيضًا حتى لا ينسب إلى سوء الأدب مع الرب عزَّ وجلَّ، وإن كان باب المفاعلة يدل على المشاركة؛ فإنَّها قاعدة اصطلاحية نحوية كما أنَّ الخبر يحتمل الصدق والكذب ولو كان في كلامه تعالى، وذلك من حيث الاصطلاح، وإلا؛ فكلامه تعالى منزَّه عن الكذب، بل هو صدق؛ فافهم.

(في ثلاث)؛ أي: ثلاثة أمور، وإنَّما لم يؤنث الثلاث مع أنَّ الأمر مذكر؛ لأنَّ المميز إذا لم يكن مذكورًا؛ جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث.

فإن قلت: حصلت الموافقة له في أشياء غير هذه الثلاثة؛ منها: في أسارى بدر؛ حيث كان رأيه ألا يفدون، فنزل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ (٢) لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: ٦٧]، ومنها: في منع الصلاة على المنافقين، فنزل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤]، ومنها: في تحريم الخمر، ومنها: ما رواه أبو داود الطيالسي، من حديث حماد بن سلمة، عن أنس قال عمر: وافقت ربي في أربع، وذكر ما في البخاري قال: ونزلت: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ} إلى قوله: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: ١٢ - ١٤]، فقلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين، فنزلت كذلك، ومنها: في شأن عائشة لما قال أهل الإفك ما قالوا، فقال: يا رسول الله؛ من زوجكها؟ فقال: «الله تعالى»، قال: أفننظر أن ربك دلس عليك فيها؟ سبحانك! هذا بهتان عظيم، فأنزل الله ذلك، وذكر ابن العربي: (أن الموافقة في أحد عشر موضعًا).

قلت: يشهد لذلك ما رواه الترمذي مصححًا، من حديث ابن عمر قال: ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر، وهذا يدل على كثرة موافقته، فإذا كان كذلك؛ فكيف نص على الثلاث في العدد؟

قلت: التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد عنه، ويحتمل أنَّه ذكر ذلك قبل أن يوافق في أربع وما زاد، وهذا الاحتمال فيه نظر؛ لأنَّ عمر أخبر بهذا بعد موت النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، فلا يتجه ما ذكر، ويحتمل أنَّ الراوي اعتنى بذكر الثلاث دون ما سواها؛ لغرض له، كذا قاله إمام الشَّارحين.

قلت: ويحتمل أنَّ الراوي حضر هذه الموافقة في هذه الثلاث، فعبر عما سمعه وقتئذٍ، ثمَّ وقت آخر حضر موافقة أخرى، فعبر عنها، والله تعالى أعلم.

ولموافقات عمر


(١) في الأصل: (بالآخرة)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (تكون)، والمثبت موافق للتلاوة.

<<  <   >  >>