للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمراد بالحكم: الإباحة، وسيأتي أن القاضي شريح كان يأمر بربط الغريم في سارية من سواري المسجد.

[حديث: إن عفريتًا من الجن تفلت علي البارحة]

٤٦١ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا إسحاق بن إبراهيم) هو أبو يعقوب الحنظلي المروزي، المعروف بابن راهويه، وهو من مشايخ الشَّافعي كما ذكره الرازي، وقال أحمد ابن حنبل: (إسحاق عندي إمام، وما عبر الجسر أفقه منه)، ولد سنة إحدى وستين ومئة، وتوفي بنيسابور سنة ثمان أو سبع وثلاثين ومئتين، وإنما لقب براهويه؛ لأنَّه ولد في طريق مكة، ومعنى الطريق بالفارسية: (راه)، ومعنى: (ويه) : وجد، فكأنَّه وجد في الطريق، (قال: أخبرنا) وللأصيلي: (حدثنا) (رَوح)؛ بفتح الرَّاء آخره حاء مهملة: هو ابن عُبادة؛ بِضَمِّ العين المهملة، وتخفيف الموحَّدة، ابن العلاء البصري، المتوفى سنة خمس ومئتين (ومحمَّد بن جعفر) هو الهذلي البصري، المشهور بغُندر؛ بِضَمِّ الغين المعجمة؛ كلاهما (عن شعبة) هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري (عن محمَّد بن زِيَاد)؛ بكسر الزاي، وتخفيف التحتية، هو القرشي الجمحي المدني التَّابعي الجليل، وقول العجلوني: (مولى آل عثمان بن مظعون) خطأ ظاهر؛ فاجتنبه، (عن أبي هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصَّحابي الجليل رضي الله عنه، (عن النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) أنَّه (قال: إن عِفريتًا)؛ بكسر العين المهملة: على وزن: (فِعليت)، قاله ابن الحاجب، وفي «المحكم» : (رجل عفر وعفرية وعفارية وعفريت: بيِّن العفارة خبيث منكر)، وقال الزجاج: (العفريت: النافذ في الأمر المبالغ فيه مع خبث ودهاء، وقد تعفرت)، وفي «الجامع» : (والشَّيطان: عفريت وعفرية، وهم العفاريت والعفارية، قال تعالى: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الجِنِّ} [النمل: ٣٩]، وقرأ بعضهم: «عفرية من الجن»)، قال الجوهري: (إذا سكنت الياء؛ صيرت الهاء تاء، وإذا حركتها؛ فالتَّاء هاء في الوقف)، كذا في «عمدة القاري»، (من الجن) احترازًا عن العفريت من غيرهم، قال ابن سيده: (الجن: نوع من العالم، والجمع: جنان، وهم الجِنَّة، والجني؛ منسوب إلى الجن أو الجنة، والجنة: طائفة الجن، والمجنة والجن، وأرض مجنة: كثيرة الجن، والجان: أبو الجن، وهم اسم جمع) انتهى، وفي «القاموس» : (والجان: اسم جمع للجن وحية أكحل العينين لا تؤذي، كثيرة في الدور، والجِن؛ بالكسر: الملائكة كالجِنة، ومن الشباب وغيره: أوله وحدثانه، ومن النبت: زهره ونوره، والجِني؛ بالكسر: نسبة إلى الجن أو الجنة) انتهى هذه عبارة «القاموس» الصَّحيحة، وقد نقل العجلوني عبارته بتصحيف ظاهر مُخلٍّ بالمعنى من عدم معرفته؛ فافهم.

ويطلق الشَّيطان على كل عاتٍ متمرد من الإنس والجن، والشَّيطان من الجن إذا أعياه المؤمن وعجز عن إغوائه؛ ذهب إلى متمرد من الإنس، فأغراه على المؤمن ليفتنه، وقال مالك بن دينار: (شياطين الإنس أشدُّ عليَّ من شياطين الجن؛ لأنَّي إذا تعوذت بالله من شياطين الجن؛ ذهبوا عني، وشياطين الإنس تجيئني فتجرني إلى المعاصي عيانًا)، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [الأنعام: ١١٢].

قال إمام الشَّارحين: واعلم أنَّ الموجود الممكن الذي ليس بمتحيز ولا صفة للمتحيز هم الأرواح، وهي إما سفلية أو علوية؛ فالسفلية؛ إمَّا خيرة؛ وهم صالحوا الجن، أو شريرة؛ وهم مردة الشياطين، والعلوية؛ إما متعلقة بالأجسام؛ وهي الأرواح الفلكية، أو غير متعلقة بالأجسام؛ وهي الأرواح المطهرة المقدسة، وقال ابن دريد: الجن خلاف الإنس، يقال: جنه الليل وأجنه وجن عليه وغطاه في معنَّى واحد: إذا ستره، وكل شيء استتر عنك؛ فقد جن عنك، وبه سميت الجن، وقال ابن عقيل: إنَّما سمي الجن جنًّا؛ لاستجنانهم واستتارهم عن العيون، ومنه سمي الجنين جنينًا، انتهى.

ثم قال إمام الشَّارحين: ثم اعلم أنَّ الجن يتطورون في صور شتى، ويتشكلون في صورة الإنس، والبهائم، والحيات، والعقارب، والإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والبغال، والحمير، وفي صور الطير.

وقال القاضي أبو يعلى: (ولا قدرة للشياطين ولا للجن ولا الملائكة على تغيير خلقهم والانتقال في الصور، إنَّما يجوز أن يعلِّمهم الله تعالى كلمات وضربًا من ضروب الأفعال إذا فعلهوتكلم به؛ نقله الله من صورة إلى صورة أخرى، وأمَّا أن يصوِّر نفسه؛ فذلك محال؛ لأنَّ انتقالهم من صورة إلى صورة [إنما يكون] بنقض (١) البنية وتفريق الأجزاء، وإذا انتقضت؛ بطلت الحياة، والقول في تشكيل الملائكة كذلك) انتهى.

(تَفلَّت)؛ بفتح المثناة الفوقية، وتشديد اللَّام؛ أي: تعرض فلتة؛ أي: بغتة، وفي «المحكم» : أفلت الشيء: أخذه بغتةً في سرعة، وكان ذلك فلتة؛ أي: فجأة، والجمع: فلتات، لا يجاوز بها جمع السَّلامة، والفلتة: الأمر يقع من غير إحكام، وفي «المنتهى» : تفلت علينا وإلينا، وفي «الصِّحاح» : أفلت الشيء تفلت وانفلت بمعنًى، وأفلته غيره، كذا في «عمدة القاري»، وقال القزاز: تفلت؛ أي: توثب (عليَّ) بتشديد الياء المفتوحة (البارحةَ)؛ بالنصب على الظرفية لـ (تفلت)، وهي أقرب ليلة مضت، وفي «المنتهى» : كل زائل بارح، ومنه سميت البارحة أدنى ليلة زالت عنك، تقول: لقيته البارحة والبارحة الأولى، ومنه ثلاث ليالٍ، وفي «المحكم» : البارحة: هي الليلة الحالية (٢)، ولا تحقر، وقال قاسم في «الدلائل» : يقال: بارحة الأولى: يضاف الاسم إلى الصِّفة، كما يقال: مسجد الجامع، ومنه الحديث: «كانت لي شاة فعدا (٣) عليه الذئب بارحة الأولى»، كذا في شرح إمام الشَّارحين.

قلت: وظاهره أنَّها لا تطلق على الليلة البعيدة، بقي أنَّ ظاهر كلام «المحكم» أنَّها تطلق على الليلة الحالية، وهو خلاف المتبادر من كلامهم، وخلاف الاستعمال، إلا أن يقال: إنَّها الحالية بمعنى المتصلة بالليلة الحالية لكنَّه بعيد؛ فافهم.

(أو قال) أي: النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم (كلمة)؛ أي: جملة كما في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: ١٠٠]، وقد قال هو جملة من كلمات (نحوَها)؛ بالنصب صفة لـ (كلمة)؛ أي: نحو قوله: (تفلت عليَّ البارحة) والمراد أنَّها تشبهها، كما في الرواية الآتية للمؤلف آخر (الصلاة) : «عرض لي فشد علي»، ووقع في رواية عبد الرزاق: «عرض لي في صورة هر»، ووقع في رواية مسلم: «جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي»، فضمير (نحوها) يرجع إلى قوله: (تفلت عليَّ البارحة)، كما ذكرنا، وبه علم أنَّ قول العجلوني: (فضمير «نحوها» لجملة «تفلت علي البارحة») ليس على إطلاقه؛ لأنَّ الضمير في (نحوها) ليس عائدًا على الجملة، بل على قوله: (تفلت علي البارحة)؛ فافهم، وأمَّا قول الكرماني: (فضمير «نحوها» يرجع إلى «البارحة»)؛ فغير ظاهر؛ لأنَّ صريح اللَّفظ يدل على أنَّه قال نحو قوله: (تفلت علي البارحة)، ويدل عليه رواية البخاري ومسلم وعبد الرزاق كما علمتها آنفًا؛ فافهم، (ليَقْطَع) بفتح التحتية، والطاء المهملة، وسكون القاف (عليَّ) بتشديد التحتية المفتوحة (الصلاة) قال العجلوني: لم أقف على تعيين الصلاة، ولعلها نافلة الليل، انتهى، قلت: ويحتمل أنَّها نافلة النهار، ويحتمل أنَّها فريضة الليل أو النهار، ولا مانع منه؛ فليحفظ، (فأمكنني) بعدم الإدغام (الله منه)؛ يعني: قوَّاني وعصمني الله منه، وقد جاء في تفسير ذلك في رواية النسائي حيث قال: «فأخذته، فصرعته، فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي» انتهى، (فأردت) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: (وأردت)؛ بواو العطف (أن) بفتح الهمزة


(١) في الأصل: (ينقض)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) كذا في الأصل، وفي «المحكم» : (الخالية).
(٣) في الأصل: (فغدا)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>