للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

للإمام زفر: أبو عاصم بالباب، فقال له: أيهما؟ فقال: ذاك النبيل. أو لكبر أنفه، توفي في ذي الحجة، سنة تسع ومئتين، عن تسعين سنة وستة أشهر، (يقول عن مالك) الإمام (و) عن (سفيان) الثوري: (القراءة على العالم)؛ أي: الشيخ، (وقراءته)؛ أي: الشيخ (سواء)؛ أي: متساوية في الرتبة في صحة النقل وجواز الرواية.

وقال إمامنا الإمام الأعظم: قراءة الطالب على الشيخ أرجح من قراءته بنفسه؛ لأنَّه أضبط، وهو قول ابن أبي ذئب والإمام مالك، كما ذكره الدارقطني عنه، وقيل: إن قراءة الشيخ بنفسه أرجح

[حديث: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي]

٦٣ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) التِّنِّيسي (قال: حدثنا الليث) بن سعد الفهمي، وهو من أتباع إمامنا الإمام الأعظم، (عن سعيد) بن أبي سعيد؛ بكسر العين فيهما، (هو المقبُري)؛ بضم الموحدة، ولفظ (هو) سقط في رواية.

(عن شريك)؛ بفتح المعجمة، (ابن عبد الله بن أبي نَمِر)؛ بفتح النون وكسر الميم، القرشي المدني، المتوفى سنة أربعين ومئة، (أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه؛ أي: كلامه حال كونه، (يقول: بينما) أصله: (بين) زيدت عليها (ما) ظرف زمان، وفي رواية: (بينا)؛ بغير ميم (نحن) مبتدأ خبره قوله: (جلوس)؛ جمع جالس، (مع النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم في المسجد)؛ أي: مسجد رسول الله عليه السلام، فـ (أل) للعهد، (دخل رجل) جواب (بينما)، وفي رواية: (إذ دخل رجل)، لكن الأصمعي لا يستفصح (إذ) و (إذا) في جواب (بينا) و (بينما).

(على جَمَل) صفة لـ (رجل)، زوج الناقة؛ بفتح الجيم والميم، [و] تسكين الميم لغة، وبه قرأ ابن السماك: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمْلُ}؛ بسكون الميم، جمعه جمال، وجمالة، وجمالات، وجمائل، وأجمال.

(فأناخه)؛ أي: أبركه على ركبتيه، أصله: فأنْوَخه، قلبت الواو ألفًا بعد نقل حركتها إلى ما قبلَها، (في) رحبة (المسجد) أو ساحته، (ثم عَقَلَه)؛ بفتح العين المهملة والقاف المخففة؛ أي: شدَّ على ساقه مع ذراعه حبلًا بعد أن ثنى ركبتيه، وفيه جواز إدخال البعير في المسجد، وهو دليل على طهارة أبوال الإبل وأرواثها، وهو قول الإمام محمد الشيباني شيخ الإمام الشافعي.

وقال إمامنا الإمام الأعظم والإمام أبو يوسف: إنَّ أبوالها نجسة نجاسةً مخففة، ولا دليل في الحديث على الطهارة؛ لأنَّه روى أبو نُعيم: (أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه، ثم عَقَله فدخل المسجد)، وفي رواية أحمد والحاكم عن ابن عباس: (فأناخ بعيره على باب المسجد فعَقَله، ثم دخل)، وهذا يدل على أنَّه لم يدخل المسجد؛ فتأمل.

(ثم قال لهم: أيُّكم) استفهام مرفوع على الابتداء، خبره (محمد؟ والنبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ)؛ بضم الميم آخره همزة اسم فاعل، أصله: موتكئ، قُلبت الواو تاء، وأُدغمت التاء في التاء؛ أي: استوى على وِطاء، والجملة اسمية وقعت حالًا.

(بين ظهرانيهم)؛ بفتح الظاء المعجمة والنون؛ أي: بين أصحابه، وزيد لفظ (الظهر)؛ ليدل على أنَّ ظهرًا منهم قُدَّامَه وظهرًا منهم وراءَه، فهو محفوفٌ بهم من جانبيه، والألف والنون للتأكيد، وقيل: زيدت الألف والنون على (ظهر) عند التثنية، ثم كثر حتى استُعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا؛ أي: فهو ممَّا أُريد بلفظ التثنية فيه معنى الجمع، واستُشكل ثبوت النون مع الإضافة، ودُفع بأنَّه ملحق بالمثنى لا أنَّه مثنًى حقيقةً، وحذفت منه نون التثنية فصار (ظهرانيهم).

(فقلنا: هذا الرجل) مبتدأ وخبر، (الأبيض) صفة لـ (رجل)، وقوله: (المتكئ) بالرفع صفة لـ (رجل) أيضًا، والمراد بـ (الأبيض) : هو البياض المشرب بحمرة، كما دل عليه رواية الحارث ابن عمير قال: (الأمغر)، فُسِّر بالحمرة مع بياضٍ صافٍ، ولا تنافي بين وصفه هنا بالبياض وبين ما ورد أنَّه ليس بأبيض، ولا آدم؛ لأنَّ المنفي البياض الخالص كلون الجصِّ كريه المنظر، كلون [البرص] (١)، كذا في «عمدة القاري».

(فقال له) عليه السلام (الرجل) المذكور: (أَبنَ عبد المطلب)؛ بفتح الهمزة والنون: منادى مضاف، أصله: يا ابن عبد المطلب، فحذف حرف النداء، وفي رواية: (يا ابن عبد المطلب)، وفي رواية: بكسر الهمزة وفتح النون.

(فقال له النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك)؛ أي: سمعتك، أو المراد إنشاء الإجابة أو نزل تقريره للصحابة في الإعلام عنه منزلة النطق، وإنَّما لم يجبه بنعم؛ لأنَّه أخلَّ بما يجب من رعاية التعظيم والأدب؛ حيث قال: (أيُّكم محمد؟)، وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} [النور: ٦٣]، فحقُّه أن يخاطبه بالرسالة أو بالنبوة، فلما قال: (أيُّكم محمد؟)؛ علم عليه السلام أنَّه باقٍ على جفاء الجاهلية، فلم ينكر عليه ولم يرد عليه، أو أنَّه لم يكن آمَنَ، أو كان ذلك قبل النهي عن مخاطبته عليه السلام بذلك، أو لم يبلغه.

وقال أيضًا: (ابن عبد المطلب) وكان عليه السلام يكره الانتساب إلى الكفار، لعله أراد تطابق الجواب للسؤال بقوله: أيُّكم بابن عبد المطلب؟ فأجابه عليه السلام: أنا ابن عبد المطلب، وإنَّما كره هنا ذلك وقال يوم حنين: أنا ابن عبد المطلب؛ للإشارة إلى رؤيا رآها عبد المطلب مشهورة كانت إحدى دلائل نبوته فذكرهم بها، وبخروج الأمر على الصدق.

(فقال الرجل) المذكور (للنبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وسقط في رواية قوله: (الرجل...) إلخ، وفي أخرى: لفظ (الرجل) فقط، (إني سائلُك) جملة اسمية مؤكدة بـ (إن) مقول القول، (فمشدِّدٌ عليك في المسألة)؛ بكسر الدال الأولى المثقلة، والفاء عاطفة على (سائلك)، (فلا تجِدْ)؛ بكسر الجيم والجزم على النهي، وهي من الوجدة؛ أي: لا تغضب، (عليَّ في نفسك، فقال) عليه السلام له: (سل عمَّا بدا) من البُدُوِّ؛ أي: ظهر، (لك، فقال) الرجل المذكور: (أسألك بربك)؛ أي: بحقِّ ربِّك، الباء للقسم، (ورب من قبلك، آللهُ)؛ بهمزة الاستفهام الممدودة والرفع على الابتداء، وقوله: (أرسلك) خبره، وعند مسلم: (فبالذي خلق الأرض ونصب هذه الجبال، آللهُ أرسلك)، (إلى الناس كلهم) الإنس والجن، (فقال) عليه السلام، وفي رواية: (قال).

(اللَّهُمَّ)؛ أي: يا الله، (نعم) الميم بدل عن حرف النداء، وذكر ذلك؛ ليدل على تيقن المجيب في الجواب المقترن به؛ كأنه ينادي تعالى متشهدًا على ما قاله في الجواب، وهذه الأيمان المذكورة إنَّما ذكرت للتأكيد وتقرير الأمر.

(قال) وفي رواية: (فقال الرجل المذكور)، (أَنْشُدُك)؛ بفتح الهمزة، وإسكان النون، وضم المعجمة؛ أي: أسألك، (بالله) الباء للقسم، (آللهُ أمرك)؛ بمدِّ الهمزة، وفيه همزتان الأولى للاستفهام والثانية للجلالة، (أن نصلي الصلوات الخمس)؛ بنون الجمع، وفي رواية: بتاء الخطاب، وفي رواية: الصلاة بالإفراد؛ أي: جنس الصلاة، وكلُّ ما وجب عليه فهو واجب على أمته حتى يقوم دليل الخصوصية، وفي رواية ثابت عن أنس بلفظ: (أن علينا خمس صلوات يومَنا وليلتَنا)؛ فافهم.

(في اليوم والليلة، قال) عليه السلام: (اللَّهُمَّ)؛ أي: يا الله، (نعم، قال) الرجل المذكور: (أنشدك)؛ أي: أسألك (بالله) باؤه للقسم، (آللهُ) بالمدِّ، (أمرك أن تصوم)؛ بتاء الخطاب، وفي رواية: بالنون، (هذا الشهر من السنة)؛ أي: رمضان من كلِّ سنة، فـ (اللام) فيهما للعهد، والإشارة لنوعه لا لعينه.

(قال) عليه السلام: (اللهمَّ)؛ أي: يا الله، (نعم، قال) الرجل المذكور: (أَنشدك) أسألك (بالله، آللهُ)؛ بالمدِّ، (أمرك أن تأخذ)؛ بتاء المخاطب؛ أي: بأن تأخذ، (هذه الصدقة) المعهودة؛ وهي الزكاة، (من أغنيائنا فتقسمَها)؛ بتاء المخاطب المفتوحة، والنصب عطفًا على (أن تأخذ)، (على فقرائنا) من تغليب الاسم للكل بمقابلة الأغنياء؛ إذ خرج مخرج الأغلب؛ لأنَّهم الأغلب من الأصناف الثمانية.

(فقال النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) له: (اللَّهُمَّ)؛ أي: يا الله، (نعم)؛ أي: اشهد على ما قلت في الجواب، قال أكثر الشُّرَّاح: ولم يتعرَّض للحجِّ؛ لأنَّه كان معلومًا عندهم في شريعة إبراهيم.

قال في «عمدة القاري» : وهو مذكور في «صحيح مسلم بن الحجاج القشيري»، فقد وقع فيه ذكر الحجِّ ثابتًا عن أنس ابن مالك، وكذا في حديث أبي هريرة وابن عباس أيضًا عند مسلم، وقيل: إنَّما لم يذكره؛ لأنَّه لم يكن فُرِضَ، أو لأنَّه لم يكن من أهل الاستطاعة.

(فقال الرجل) المذكور لرسول الله عليه السلام: (آمنتُ بما)؛ أي: بالذي، (جئتَ به) من الوحي، واختُلف هل كان مسلمًا عند قدومه أم [لا]؛ فقال جماعة: إنَّه كان مسلمًا قبل وفوده، وإليه ذهب المؤلف وبوَّب له: باب القراءة والعرض على المحدِّث، مستدلًا بقوله: (آمنت بما جئت به)، وبقوله: (وأنا رسول من) مبتدأ وخبر مضاف إلى (مَن) بفتح الميم (ورائي)؛ أي: مَن خلفي، (مِن)؛ بكسر الميم، (قومي)، وإنَّ هذا إخبارٌ، ورجَّحَه القاضي عياض، وقال جماعة: إنَّه لم يكن مسلمًا وقت قدومه، وإنَّما كان إسلامه بعدَه؛ لأنَّه كان متثبتًا، ويدل عليه ما في حديث ابن عباس رواه ابن إسحاق: (أنَّ بني سعد بن بكر بعثوا ضِمام بن ثعلبة...) الحديث، وفي آخره: (حتى إذا فرغ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله).

وأجابوا عن قوله: (آمنت) : بأنَّه إنشاء وابتداء الإيمان، لا إخبار بإيمانٍ تقدم، وكذلك قوله: (وأنا رسول مَن ورائي)، وبأنَّه لا يلزم مِن تبويب المؤلف له أنَّه كان مسلمًا؛ لأنَّ العرض على المحدث هو القراءة عليه أعمّ من أن يكون تقدمت له أو ابتدأها.

وقالوا: قد بوَّب أبو داود عليه: باب المشرك يدخل المسجد، وهو يدل على أنَّه لم يكن مسلمًا قبل قدومه، والظاهر: أنَّه قبل قدومه لم يكن


(١) في الأصل: (البربر).

<<  <   >  >>